معرض لطفي الرمحين ووليد مراد في “زوايا”.. الصداقة التي أثمرت نبتاً من حجر
افتُتح في صالة زوايا للفنون الجميلة هذا الأسبوع المعرض المشترك للنحاتين لطفي الرمحين ووليد مراد، اللذين عرضا مجموعة من المنحوتات المنفّذ معظمها من خامة الحجر، وخاصة الأعمال التي تعود للفنان مراد صاحب التجربة الأولى في العرض، والتجربة الطويلة في معايشة الحجر وأعمال المقالع والكتل الصخرية. هذه المعايشة الطويلة بين الرجل العاشق لتطويع الصلد واستنطاق روح جديدة في فضاء من استكشاف حالات جديدة للخامة التي يحب ويمنح مادتها حواس جديدة من خلال أنسنة شكلها وتحويره نحو مشبّهات مسالمة ووادعة تتوافق مع ما تألفه الذاكرة وتقارب حالات تعبيرية محبّبة.
أثمرت صداقة لطفي الرمحين النحات المخضرم ووليد مراد ابن مدينة صيدنايا هذا المعرض.. صيدنايا المطلّة على الفسيح من الهواء وتتابع التلال المسكونة بالمقدس والحب، هذه الثنائيات بين الناس وبعضهم من جهة، وبين الناس والمكان بروحيته من جهة أخرى كفيلة بإنعاش الحياة وإنبات الفن من صخرة تختزن الأزل، وتختصر حكمتها بتوقعات لا نهائية من تجليات حواس صائغ يتهجأ لغة الخلق القديمة ويقدّس جوار الأزل. هذه الصخور حراس المكان الفياض بالمعنى المتخلّق من علاقة بين الشمس وتحولات الضوء على هذه البقعة من الأرض.
حدثني النحات لطفي الرمحين ذات يوم عن حوادث العمل وخطورته في المقالع، حيث تستخدم المواد والمعدات الثقيلة “الكسارة” التي تؤثر في العميق من نفس العامل في مكان كهذا، وحدثني عن فداحة أن تكون رقيقاً وصعباً في وقت واحد. أحسب أن هذا التوصيف يقع في المنطقة الحرجة من مرآة النحات المبدع التي لا نراها إلا من خلال هذه الحلول الجميلة التي تُسمّى أعمالاً نحتية، تحاكي الجمال بصياغات مختلفة قد تفضح عذوبة النفس الإنسانية ورقتها رغم الظاهر منها من صلابة وإرادة، وأحسب أن أعمال الفنان وليد مراد تنتمي لهذا الفطري من الجماليات التي يحملها هذا الرجل المعايش للنحت والصخر، والمتحسّس لاحتمالات ما يمكن أن يفعله صبره من صقل لألماس الفكرة الخبيئة بين فؤاده والطبيعة. ومن المؤكد أن خبرة وليد مراد اكتسبت صفتها الأخاذة في هذا الحيّز من معايشة الجمال الولادة لعشرات بل مئات الأعمال النفيسة التي بدأت تأخذ حصتها من الإقبال وإعجاب المتلقين فيها، حتى ليحسب المرء أن هناك ورشة من النحاتين قد عملت في هذا المحترف الغزير الإنتاج المميز ببراعة حرفيتهم.
تمثل تجربة لطفي الرمحين إحدى التجارب الطليعية في النحت السوري المعاصر بخصوصيتها على المستوى التقني الرفيع، وانفتاحها على المعاصر من الفن بمفاهيم البحث والتجريد، وقد توسّعت هذه التجربة وأكدت حضورها العربي والعالمي بمنجزات نفيسة تجوّلت في عواصم العالم، أعمال منفذة من خامات عديدة: الحجر، الألمنيوم، النحاس، والخشب بأنواعه، وتجتمع في فرادة بنائها وارتكازها كقطع توشى بالموسيقى والرقص والصياغة الباذخة، حيث يؤلف النحات جملته بعناية فائقة، فلا فرق بين الخشب والحجر النفيس في معادلة تنتهي إلى مخرجات جمالية ضمن حلولها التجريدية الرشيقة.
ما يميّز هذا المعرض واقع الاحتفاء بالفن والذوق واللطف الإنساني والاجتماعي الذي رافق أيام المعرض الذي يشهد إقبالاً كبيراً من محبي الفن وأصدقاء الفنانين في جو من المودة العامرة.. نعم لقد أثمرت الصداقة نبتاً على حجر.
أكسم طلاع