واقع بيئي ليس على ما يُرام
بشير فرزان
لا يختلفُ الخطاب البيئي عن غيره من الخطابات، وخاصة المعيشية من ناحية الأوجاع والإجراءات التي لا تخرج من دوائر الواقع الافتراضي وعدم الفاعلية، إلى حدّ الإخفاق في انتشال العديد من الحلول من أدراج الإهمال والتقصير، إن لم نقل العجز التام عن تحريك الدفة البيئية نحو تحقيق خطوات جادة في مسار الإصلاح البيئي غير المفعّل، حيث نجد مئات بل آلاف الأوراق التي تفصّل المشكلات والتحديات البيئية، إلى جانب الندوات وورشات العمل، هذا عدا عن عشرات المكاتب العاملة ضمن مديريات البيئة الموجودة في المحافظات، ولكن رغم كلّ هذه الإمكانيات المتوفرة والتي قُذف بها في مضمار الإنجازات، إلا أن النتيجة النهائية تكاد لا تتجاوز “الصفر” في بعض المناطق، وللأسف!!.
وطبعاً ما يحدث في محافظة ريف دمشق ليس إلا مثالاً على تدهور الواقع البيئي، الذي لم يكن ولسنوات طويلة على ما يُرام، بل كان دائماً واقعاً مريضاً يعاني من الملوثات والانتكاسات البيئية التي نقطف الآن تداعيات إهمالها وتجاهل واقعها، وهذا المخلص الذي تحاول وزارة الإدارة المحلية ومحافظة ريف دمشق تجاهله أو تجميله ببعض التصريحات وحملات النظافة بأبسط مظاهرها وصورها التذكارية أمام الكاميرات بشتى أنواعها، لتكون بدورها شاهداً على الأضرار التي تكاثرت في خضم الاستعراضات التي لم تحقّق تقدماً واضحاً في أي ملف بيئي، أو في تنفيذ البرامج والخطط اللازمة لتحسين الإجراءات المتخذة في سبيل حماية البيئة، والدليل على ذلك حالة القضم المستمرة للمساحات الخضراء وبشكل عشوائي دون أي محاسبة أومساءلة، والنتيجة المزيد من الإسمنت على حساب البيئة التي تخسر في كلّ يوم المزيد من الأشجار تحت مرأى الجهات البيئية والرقابية في المحافظة.
وما يزيد من صعوبة ومرارة الواقع البيئي ما يجري في مديريات البيئة التي لا تجيب عن أي تساؤل يخصّ البيئة، حيث تتهرّب الدوائر المعنية من الردّ أو تقديم المعلومات، وكل ما يحصلُ عليه السائل كلمات معدودة تنبض بالعجز وغياب المعلومات بشكل كامل، في الوقت الذي لم تتوقف فيه سلسلة الأبحاث والدراسات والجولات التي يصرف عليها ملايين الليرات، دون أن ترى النور، وتبقى قيد الإنجاز إلى أجل غير مسمّى.
ولا يمكن تجاهل تداعيات الحرب وانعكاساتها الكارثية على البيئة، والتي زادت من التحديات التي تتعرّض لها البيئة والضغوط التي يمكن أن تنتج عنها، والآثار البيئية التي تنعكس على الإنسان بالدرجة الأولى وعلى البيئة كنتيجة حتمية، وخاصة بعد توقف العمل في العديد من المشاريع والاستثمارات البيئية نتيجة لذلك، ولكن ذلك لا يشفع للجهات البيئية المعنية، وخاصة وزارة الإدارة المحلية، البقاء في دائرة التنظير والخطاب البيئي المخترق بالتضليل وعدم المصداقية، والاكتفاء بالعمل البيئي بحدوده الدنيا “لذرّ الرماد في العيون”، وهذا ما يدفعنا للقول: كفى خطابات، فالأوجاع البيئية تزداد، وصراخها يقرقع في أدراج النسيان والإهمال!!.