الغرب يمهّد للعودة إلى روسيا من بوابة الخوف من الصين
تقرير إخباري
في مؤشر واضح إلى أن الغرب بدأ يشعر فعلياً بانسداد الأفق أمام أي انتصار استراتيجي يمكن تحقيقه في حربه على روسيا، بدأت الأصوات تتعالى في مراكز الدراسات لديه بضرورة العودة إلى سياسة احتواء روسيا وعدم إزعاجها إلى الحدّ الذي يمكن أن يجعلها تؤمن نهائياً بأن هذا الغرب عدو تقليدي ولا يمكن التعايش معه، حيث أعلن غير مسؤول غربي إلى الآن عن ضرورة العودة إلى علاقات متوازنة مع هذا البلد، لأن ذلك خير من رؤية روسيا وقد قطعت نهائياً مع الغرب وذهبت دون رجعة إلى تحالف وثيق مع الصين، وهذا الأمر طبعاً سيجعل الصين جاراً مباشراً لأوروبا في الشرق حسب تعبيرهم.
فقد قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر: إن الغرب بحاجة إلى “إيجاد مكان” لروسيا بعد الأحداث في أوكرانيا، حتى لا تتحوّل إلى “موقع حصين” للصين في أوروبا.
وأضاف كيسنجر في مقابلة مع صحيفة “التايمز”: “بعد استكمالها (العملية الخاصة في أوكرانيا)، سيكون من الضروري إيجاد مكان لأوكرانيا ومكان لروسيا، إذا كنا لا نريد أن تصبح روسيا موقعاً قوياً للصين في أوروبا”.
وأشار إلى أنه ليس من الضروري أن تكون آراء أعضاء حلف شمال الأطلسي متجانسة، مضيفاً: إن أعضاء هذه الكتلة العسكرية اتحدوا بشأن الوضع في أوكرانيا لأنها “تذكرهم” بـ”التهديدات” القديمة.
وواضح من هذا الكلام الذي أطلقه ثعلب السياسة الأمريكية المخضرم، أنه يحاول التمهيد طبعاً لاستقبال الهزيمة الغربية المدوّية في أوكرانيا، إذ إن هذا الكلام ينطوي فعلياً على رأيه في الوضع بعد هزيمة أوكرانيا الحتمية.
وغيرَ بعيدٍ عن ذلك، قال عالم الاجتماع الإيطالي، أليساندرو أورسيني: يجب على الدول الغربية الموافقة على تقديم تنازلات إقليمية لمصلحة روسيا لتجنّب مواصلة التصعيد في أوكرانيا.
وعبّر أورسيني في حديث لقناة “La7” عن اعتقاده أنه من أجل التسوية السلمية يجب على الغرب التوقف عن “إظهار قوته” وإرسال الأسلحة التي “ستضرب الروس”، قائلاً: “يجب علينا حالياً العمل على التسوية الدبلوماسية، وكما قلت منذ البداية ومثلما قاله العديد من الآخرين، يجب علينا الموافقة على تقديم تنازلات إقليمية لموسكو وذلك لسبب بسيط وهو أنه قد تمّت الموافقة عليها”.
وذكر أنه تم إنشاء ممر لسكك الحديد وحركة السيارات بين دونباس وشبه جزيرة القرم.
وتابع: “يجب أن نفهم أن الغرب يتحمّل مسؤولية معنوية هائلة لما قد يحدث في أوكرانيا”.
وليس ذلك فحسب، بل إن الغرب وعلى خلفية هزائمه المتكررة في أوكرانيا بدأ يشعر بضرورة الإنصات إلى مخاوف روسيا الأمنية فيما يخص توسع حلف شمال الأطلسي باتجاه أوكرانيا، حيث قال المؤرخ والفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي: إن إمكانية انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي قد تشكّل خطراً على روسيا يوازي خطر تكرار خطة بربروسا، وذلك بسبب الخصوصية الجغرافية.
ولفت تشومسكي في مقابلة مع “منظمة ماساتشوستس للسلام”، إلى أن عدم وجود حواجز طبيعية كبيرة بين الدول، يمكّن افتراضياً من استخدامها لغزو الأراضي الروسية.
واستحضر المؤرخ الأمريكي الغزو النازي لروسيا، مشيراً إلى أن “الغزو النازي اجتاح أراضي أوكرانيا، حيث لا توجد حدود دفاعية بين كييف وموسكو، وسط امتداد السهول المنبسطة”.
ووفقاً له، فإن جميع القادة الأمريكيين يدركون جيداً أن أوكرانيا تمثل خطاً أحمر لروسيا.
وقال المؤرخ: “بالنظر إلى الخريطة يمكننا أن نتذكر التاريخ الحديث: عملية بارباروسا، وسيتضح أمامنا تماماً لماذا لم يسمح ميخائيل غورباتشوف أو أي زعيم روسي آخر لأوكرانيا وجورجيا بالانضمام إلى الناتو”.
وفي المحصلة يدرك الجميع أن هذا الكلام لم يكن ليصدر من مسؤولين غربيين رفيعي المستوى في بداية العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، لأنهم جميعاً كانوا يمنّون أنفسهم بهزيمة استراتيجية لروسيا هناك، ولكن عندما تبيّن لهم أن هذا الأمر بعيد المنال، وأن الحرب بدأت تضغط على مجتمعاتهم وتؤثر بشكل مباشر في اقتصاداتهم، أصبحوا يبحثون عن مخارج لهم مما وضعوا أنفسهم فيه من تحدّ لروسيا عبر العقوبات، وخير مثال على ذلك التوجّه السائد لدى الغرب حالياً لتحميل الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي مسؤولية الأزمة الأوكرانية.
طلال ياسر الزعبي