الصبر الاستراتيجي و”الأحداث الكبرى”
أحمد حسن
بالأمس حذّر معهد ستوكهولم لبحوث السلام من أن “نسبة مخاطر اندلاع حرب نووية أعلى من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة”. قبل ذلك لفت “هنري كيسنجر”، في سياق تقييمه للحدث الأوكراني، إلى أنه كان من الضروري لـ”الناتو” الاعتراف بحقيقة “أن أحداثاً كبيرة قادمة في الشرق الأوسط وآسيا” لتداركها.
“المعهد” و”حكيم العالم الغربي” تجاهلا أن ما يحذّر منه أحدهما ويلفت إليه الثاني – لمصلحة “الناتو” طبعاً- منبعه وسببه الأساس هو الغرب ذاته، وملحقاته في منطقتنا والعالم، وأطماعهما التي وصلت اليوم إلى مرحلة الفجور الكامل.
الإصرار على إذلال روسيا والصين قد يقود إلى كوارث “النووي”. العدوان الإسرائيلي الفاجر على مطار دمشق الدولي، المدني، والإصرار على نهب “غاز” لبنان علناً، والصمت –الفاجر والمتواطئ أيضاً- للمجتمع الدولي، وبعض العربي، عنه، قد يقود إلى تحقق “الأحداث الكبيرة في الشرق الأوسط”.
والحال فإن العدوان على “المطار” جريمة كبرى وإعلان حرب مكتمل الأركان. نهب الغاز اللبناني مثيله، والمفارقة أن الصلف “الإسرائيلي” في الحالين تجاوز كل الحدود، فتدمير المطار في حسبانهم “رسالة” لسورية كي لا تمارس سيادتها الطبيعية على أراضيها وفي علاقاتها الخارجية، و”نهب” الغاز “حق” لهم دونه “دمار واسع في لبنان إذا نشبت حرب”، حسب تهديد رئيس “أركانهم”، أفيف كوخافي، أي إذا دافع لبنان عن “حقه” وتمسّك بالمصالح اللبنانية السيادية.
الاعتداءات “الإسرائيلية” السابقة على سورية كان يسمّيها بعضهم، وبينهم “عرب” طبعاً، “المعركة بين الحروب” ليس للتخفيف من صفتها الجرمية فقط، بل كي يوازن، قانونياً، بين الضحية والمجرم، وبالتالي يشرعن عمل هذا الأخير، باعتباره “حقاً” من حقوق المشتبكين وقت الحرب، لكن توصيفها الحقيقي، والقانوني أيضاً، أنها اعتداءات سافرة على دولة ذات سيادة يقوم بها معتدٍ معروف ويقف خلفها وأمامها، كسندٍ لها، “مجتمع دولي” صامت بل موافق، بينما “الصمت” ذاته -وإن لأسباب أخرى- غلّف، وما زال، موقف “بعضهم” بذرائع ليس لها أن تصمد لحظة واحدة أمام “شمس” الوقائع المتتالية، وربما كانت تداعيات وملابسات الحرب الأوكرانية قد كشفت بعض أعطاب هذا الموقف.
وأمام هذا “الصمت” بشقيه، الداعم والملتبس، وكذلك أمام هذا الفجور الفاضح للعدو في ظل عالم مجنون بالكامل، عالم قرّر “غربه” أن الحرب -ولتكن الكبرى!- هي مخرجه الوحيد من مأزقه المتمثل بصعود قوى أخرى إلى سدّة قيادة العالم، بينما قرّر “مخفره” الأمامي في المنطقة -استناداً إلى “واقع” محدّد وحسابات و”اعتبارات” عدّة للدول المعنية بالمنطقة، داخلها وخارجها، تمنع الحرب الإقليمية الكبرى- استغلال هذا الوضع إلى أبعد مدى كي يحقق غاياته وأهدافه.
أمام ذلك كله لا بد من تأكيد حقيقة جلية وواضحة وضوح الشمس، مفادها أن “الصبر الاستراتيجي” لن يمنع “الأحداث الكبرى” من الوقوع لأن “التعقّل” من طرف واحد لا يكفي، ولا يردع، ولا يدوم أيضاً، وبالتالي يجب، كأضعف الإيمان، أن تكون إعادة ضبط موازين الردع مع العدو أولوية كبرى أيضاً وأيضاً مهما كانت النتائج المترتبة عليها، وعلى ما يبدو فإن ذلك قرار.. والأيام حبلى.