دراساتصحيفة البعث

النفور يتزايد من واشنطن في الأمريكيتين

هناء شروف

دفع قرار الولايات المتحدة بعدم دعوة كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا لحضور القمة التاسعة للأمريكيتين، التي اختُتمت لتوها، قادة العديد من دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي لتخطي الاجتماع أو إرسال مسؤولين من المستوى الأدنى لحضوره. هذا القرار أحادي الجانب يطرح سؤالاً، وهو هل الأمريكيتان للولايات المتحدة؟.

قمة الأمريكيتين هي من بنات أفكار الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، فقد عُقدت القمة الأولى في عام 1994، وعُقدت القمم اللاحقة كل ثلاث أو أربع سنوات. ووحدها قمة 2015 في بنما حقّقت أعظم نجاح دبلوماسي مع مصافحة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما للرئيس الكوبي السابق راؤول كاسترو. كانت هذه هي المرة الأولى التي تحضر فيها كوبا القمة، وأعادت الولايات المتحدة وكوبا لاحقاً إقامة العلاقات الدبلوماسية بعد 54 عاماً.

ومع ذلك، فإن قرارات الإدارات الأمريكية الحالية والسابقة قد دفعت الآمال التي أثارتها التطورات الواعدة في عام 2015، وقد انتقدت معظم دول المنطقة قرار إدارة بايدن  قائلة إنه يعكس غطرسة أمريكية وسيأخذ المنطقة في الاتجاه الخاطئ.

إن قرار دعوة أو عدم دعوة دولة أو دول معيّنة للقمة يجب أن يتمّ اتخاذه من قبل جميع الدول في الأمريكيتين وليس الولايات المتحدة وحدها، وبذلك السلوك زادت الولايات المتحدة النفور منها في الأمريكيتين من خلال معاملتها للدول الأخرى على أنها أقل شأناً، وتتدخل باستمرار في شؤونها الداخلية. كما أن الولايات المتحدة أولت القليل من الاهتمام للأمريكيتين، فعلى مدى العقدين الماضيين ركزت الولايات المتحدة على أوراسيا، وغيّرت استراتيجيتها العالمية إلى آسيا والمحيط الهادئ والمحيط الهندي.

يُذكر أنه تمّ التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية بعد نهاية الحرب الباردة، ولكن ترامب “رفعها” إلى اتفاقية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا. أما إدارة بايدن فقد أضافت التنافس الأيديولوجي إلى السياسة الخارجية الأمريكية، وعقدت ما يُسمّى بـ”قمة الديمقراطية” على أساس القيم الأمريكية. لقد صُمّمت قمة الأمريكيتين كمنصة لتعزيز الديمقراطية في المنطقة، لكن زرع الديمقراطية على غرار الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية لن يحسّن الوضع هناك أو يسرّع من تنميتها.

ربما يكون الخلاف بين دول أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة حول القمة مدفوعاً بالتحول في الدورة السياسية للأولى، فقد تأرجحت السياسة في أمريكا اللاتينية ذهاباً وإياباً. لكن مع تولي أحزاب اليسار وأحزاب يسار الوسط السلطة في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية مؤخراً، تحركت الدورة السياسية في المنطقة نحو اليسار. لذا من خلال الحكم على دول أمريكا اللاتينية بناءً على معاييرها الخاصة، فإن الولايات المتحدة ستعزل نفسها عن نفسها فقط!.

إلى جانب ذلك، فإن دبلوماسية القيم التي تروّج لها الولايات المتحدة ليست سوى معايير مزدوجة، فهي لم تدع فنزويلا لحضور القمة ولكنها خفّفت العقوبات المفروضة على جزء من صادرات فنزويلا، لأن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يحتاجون إلى النفط الفنزويلي ليحلّ محل النفط الروسي.

إذن، قمة الأمريكيتين ليست حزباً تنظمه الولايات المتحدة، لأن الأمريكيتين لكل الأمريكيين، لا يمكن تمثيلهم وتعريفهم من قبل الولايات المتحدة وحدها.