مُواجهة
عبد الكريم النّاعم
بداية أقول لا يذهبنّ بك العنوان إلى ما يجري من مواجهات فوق الأرض المحتلّة في فلسطين، فهي وإنْ لم تكن لبّ الموضوع، ولكنّها ليست كلّه.
شئنا أم أبينا، نحن حتى حين نكون مقتنعين بأنّنا نحتمي بعزلة ما، اخترناها، أو فُرضت علينا لا فرق،.. نحن في حالة حوار دائم، ليس في يقظتنا فحسب، بل حتى في نومنا، فليس ما نراه في الأحلام إلاّ الواقع الموضوعي، أو الواقع الذاتي، الذي يشمل القلق والحلم، إذن نحن لا نستطيع مغادرة تيّار الحياة، شئنا أم أبينا، رضينا أم كرهنا،.. إلا حين نموت.
الهموم اليوميّة المُتكرِّرة، همّ الأكل والشرب، نعم.. صار الأكل والشرب همّاً حقيقيّاً، لأن الفارق بين دخل الفرد، في الغالبية العظمى من الناس، و.. غلاء الأسعار، وانفلاتها من عقالها، والتي ما تكاد تستقرّ ليوم أو يومين حتى يُعلَن عن ارتفاعها، من الذي يُعلن، وكيف، لا ندري، ولكنّنا ندري أنّنا نكتوي بنارها، ولا نستطيع دفعاً لشرّها، ويبدو أنّه ما من أحد، ممّن عُهِد إليهم بذلك الأمر يشغله هذا الهمّ، فهو يعيش بحكم موقعه في بحبوحة، وهذا يكفي!!.
أرى الناس من حولي، وأنا أسكن في حيّ شعبيّ جدّاً،.. أرى تدفّق الأولاد في الشارع وهم يلعبون ويملؤونه صخباً وإقلاق راحة، وليس لهم متنفّس غير ذلك،.. أراهم فأتساءل،.. وأنا أعرف أوضاع جيراني الماديّة بقدر،.. أتساءل كيف يستطيعون تأمين حاجياتهم، وكيف يستطيعون تدريس أبنائهم في الجامعة؟!!.
ثمّة مثل يقول: “البيوت أسرار”، وأنا لستُ معنيّاً بكشفها، ولكنْ كما يقول المثل أيضاً “المكتوب معروف من عنوانه”، فلا شكّ أنهم في حالة من الضيق والضّنك، يعيشونها بصمت، إذ ليس لهم خيار آخر، وكم يترك هذا في النفس من ظلال قاتمة، وأحزان متناسلة تناسل هؤلاء الناس!.
ذلك مقلَب، أمّا المقلَب الآخر فهو أننا لا نستطيع إغفال ما يجري من حولنا، سواء في الشمال الذي يهدّد أردوغان باستكمال احتلاله، أو في جنوب البلاد، حيث المعركة في ذروة من ذراها، وهي المعركة المركز، وكلّ ما يصيبنا بسببها.
قال لي أحدهم إنّ مَن يعاني من همّ تأمين اللّقمة لا يجد متّسعاً، أو فسحة نفسيّة، حتى للمشاركة الوجدانيّة مع ما يجري حولنا.
قلت: ربّما ولكن هذه الحالة لا تُلغي أنّ المواجهة قائمة، إنّنا حين نُغمض أعيننا، أو نُضطرّ لإغماضها، والشمس ساطعة، ذلك الإغماض لا يعني أنّ الشمس غير ساطعة.
إنّ ما يجري في الأرض المحتلّة مصيريّ لا لأبناء فلسطين فحسب بل للمنطقة كلّها، أردنا ذلك أم لم نرده، هذا هو واقع التاريخ والجغرافيا والمصير، وكلّ تصوّر لاجتزاء شيء من هذا إنْ هو إلاّ وهْم، أو خُبث مبطّن.
يتبادر إلى الذّهن في هذا السياق الموقف الرسمي لمعظم الدول العربيّة، فيطلّ اليأس برأسه، واليأس خطير، أمّا أن نحزن، أو أن نأسف فذلك حقّنا،.. وبرغم هذا الموقف الرسمي فقد عبّرت روح الأمّة عن رفضها عبر المقاومة، وأتمنّى ألاّ يستهين أحد بذلك، وكيف يستطيع الاستهانة وهو يسمع ما قيل في المناسبات إنْ في لبنان أو غزّة، أو عبر بعض الأصوات المرتفعة في الضفّة،.. فعبرها تتوضّح صورة أنّ هذا العدوّ لم يعد قادراً على شنّ الحروب ساعة يشاء، ولو كان قادراً لفعل، هذا العجز الذي أوصلتْه إليه روح المقاومة، هو الأفق الذي نترقّب سطوع شمسنا في فضاءاته.
لن أعدم مَن لا يعجبه هذا الكلام، ولهذا أقول أعطني البديل المقنع وطنيّاً وقوميّاً ومصيريّاً.
مقهورون، ومحتاجون، نعم، ولكنّنا لسنا يائسين، وفي هذا كفاية.
aaalnaem@gmail.com