لا تزيدوا همّ أبنائكم في الامتحانات.. شجّعوهم وحفّزوهم وثقوا بقدراتهم!
تستمر امتحانات شهادة الثانوية بفرعيها العلمي والأدبي، وكذلك امتحانات الشهادة الإعدادية، بما يرافقهما من قلق وتوتر غالباً ما يسهمان في ترك آثار سلبية على الطلاب، لتأتي صعوبة الأسئلة في بعض المواد لتزيد الطين بلة، وقد لاحظنا خلال الأيام الماضية من عمر الامتحانات أكثر من اعتراض من قبل ذوي الطلاب، ولكن ما يهمنا في القادم من سطور هو الحديث عن القلق الامتحاني الذي يسبب التوتر النفسي للطالب، وللأسف غالباً ما يتجاهل الأهالي ذلك ويفشلون في إخراج أبنائهم من هذه الحالة، والأخطر أن هناك من يلوم الطالب ويؤنبه على عدم التقديم الجيد في هذه المادة أو تلك، ما يجعله عرضة للخطر قد يؤدي إلى إقدامه على الانتحار خوفاً من فشله.
تدهور الأداء
بحسب الدكتور حكمت دياب- كلية التربية بجامعة دمشق- فإن القلق إحدى الخصائص المضمرة في نفسية الطالب التي تكون مصاحبة لاضطرابات الشخصية، وقد تمتد في شدتها من عدم الشعور بالارتياح حيال المستقبل إلى الشعور بالفزع غير المحدد من شيء ما سيىء قد يحدث، وقد يصل هذا الشعور أحيانا إلى مرحلة تعيقه عن ممارسة الحياة بصورة عادية، مشيراً إلى أنه عندما يزداد القلق يتحسن الأداء، وذلك حتى وصول نقطة معينة يكون فيها الأداء في قمته، ولكن إذا زاد القلق عن تلك النقطة انقلب أثره عكسياً وأدى إلى تدهور الأداء، وحتى من الممكن أن يتوقف نهائياً.
نوعية القراءة
ووفق ما ذكر الدكتور دياب، يرتبط قلق الامتحانات بنوعية التحضير للامتحانات، ونوعية القراءة: (الصامتة، الجهرية، الاستماع، السريعة، الفاعلة، الانتقائية، الناقدة، العابرة، المسحية، التصفحية العابرة، التفحصية السابرة، الدراسية، قراءة المتعة)، فكلما كانت نوعية القراءة الدراسية سابرة، ويحاول الطالب بها الوصول إلى درجة التمكن من المادة العلمية، كانت درجة القلق أقل، وكذلك يكون الدخول في معترك الامتحان أسهل، وكذلك طريقة الإعداد خلال العام الدراسي من خلال عملية السبر التي تقوم بها المدارس، والمذاكرات المتكررة من خلال عمليات التقويم المستمرة بحيث تؤهل الطالب لعمليات تخطي جو الرهاب والقلق وخوفه من الامتحان.
ويلفت الدكتور دياب إلى دور الأسرة في تخطي الابن الرهاب من خلال تهيئة الجو المناسب، والتحضير، وكذلك معرفة القدرات لدى الابن بحيث لا نطالب بالمستحيل، بل أن يبذل الجهد، وبالمحصلة هناك قدرات يجب الوصول إلى أقصاها.
محرك للحياة
ولكن رغم الأثر السلبي للقلق، يرى الدكتور دياب أنه يمكن أن يكون باعثاً على الإنجاز الدراسي والتحصيل والاستعداد للامتحان إذا كان ضمن الحد الطبيعي، أما إذا زاد على الحد الطبيعي فيمكن أن يكون مدمراً للشخصية ومعطّلاً للعملية الامتحانية، وقد يؤدي إلى الفشل.
شعور صحي
بدورها الباحثة الاجتماعية ندى بعبع ترى أن القلق على المستوى الطبيعي يحمي الشخص، وهو شعور صحي يبقي الناس يقظين نفسياً وفسيولوجياً، ويساعدهم على القيام بعمل أفضل، أما القلق المفرط فيؤثر سلباً على الحياة اليومية للشخص، ما يتسبب بانخفاض أدائه وتدهوره.
مسؤولية الأهل
وأرجعت بعبع أهم أسباب الخوف والقلق من الامتحانات إلى الأهل الذين يزرعون في نفوس أطفالهم الخوف من الامتحانات بطرق ووسائل خاطئة، كتهديدهم بحرمانهم مما يحبونه، أو أية عقوبات أخرى يفرضونها عليهم نتيجة عدم حصولهم على النتائج التي يطمحون لها.
وقدمت الباحثة الاجتماعية بعض النصائح للطلاب للتخلص من قلق الامتحانات كالحرص على أخذ قسط كاف من النوم في اليوم الذي يسبق الامتحان، والذهاب في وقت أبكر للامتحان، وعدم الغش لأن ذلك سيشتت أفكارهم ويزيد من توترهم.
حالة حرب!
وأشارت الباحثة بعبع إلى أمر سلبي يمارسه ذوو الطلاب قبل وأثناء الامتحان يتمثّل بحالة الاستنفار والتأهب القصوى وكأنهم في حالة حرب، حيث يتغير النظام ويُمنع الأبناء من ممارسة الكثير من الأعمال المألوفة يومياً، ما يبعث الرهبة والخوف في نفس الطالب، وبالتالي يؤدي إلى قلق الامتحان، ونصحت الأهل بخفض مستوى القلق والتوتر لأنهما ينعكسان على راحة الطالب النفسية قبل وأثناء تأديته للامتحان، وطالبت باحترام قدرات الطالب كما هي، وعدم المبالغة بالتوقعات والنتائج المطلوبة منه، وتوفير جو عائلي يسوده الهدوء والحنان والمودة التي تبني الثقة بين أفراد الأسرة، ورفع معنوياته عند حصوله على نتائج متدنية، وعدم حرمانه نهائياً من الترفيه أوقات الامتحانات.
دعم نفسي
وخلال تجربتها كمراقبة في بعض المراكز الامتحانية، تقول بعبع: وجدنا حالات من التوتر بين الطلاب تظهر في حالات إغماء، وقد تظهر في البكاء الشديد، وأحياناً كثيرة يشعر الطالب بأنه محتاج لدخول دورات المياه ونحن كتربويين نقوم بواجبنا تجاههم من خلال دعمهم وإعطائهم الهدوء النفسي.
وحش مرعب!
وفي رصد لآراء بعض الأهالي، انتقد العديد منهم منهاج البكالوريا ووصفه “بالوحش المرعب” نتيجة ضخامته، ومنهم من طالب باتباع أساليب قبول جامعية أخرى أسوة ببعض الدول التي تعتبر البكالوريا غير كافية لدخول الجامعات، كأن تؤخذ الرغبات بعين الاعتبار، مشيرين إلى أن هناك الكثير من الطلاب المتفوقين يحصلون على العلامة التامة بالفرع العلمي، لكنهم يتجهون لدراسة الأدب أو الإعلام والفنون الجميلة تحقيقاً لرغباتهم التي يحلمون بها.
خلاصة القول، لا تزيدوا هم أبنائكم هماً آخر بالضغط عليهم والطلب منهم تحصيل درجات عالية، فكل طالب لديه قدرات وإمكانات محددة قد لا تسعفه بتحقيق التميز والتفوق، إن تعثر الطالب في مادة أو رسب في صفه فهذه ليست نهاية العالم، هناك فرص لإعادتها وتحسينها وتحقيق النجاح الذي يحتاج للدعم النفسي وتعزيز الثقة بالنفس، وتقوية الإرادة عند الطالب لا بتأنيبه، فالدراسات أثبتت أن الطالب عندما يتعرّض للضغط والكثير من القلق فإن ذلك يؤدي إلى ضيق عاطفي وجسدي، وصعوبة في التركيز، وتعطيل وظيفة الانتباه والتذكر.
ليندا تلي