” ديك أردوغان الرومي”.. إلهاء رمزي عن أزمات ومنافسات سياسية
البعث الأسبوعية- رغد خضور
ترتبط أسماء الدول بأفكار ومعتقدات معينة، وتحمل قصصاً وحكايات على علاقة بتاريخ البلد وجغرافيته، ولها أثر عميق في وجدان الشعوب، إلا أن أسباباً عديدة قد تدفع بتلك الدول لتغير اسمها، ويرجع ذلك، في حالات كثيرة، إلى الرغبة في التخلص من أثار الاستعمار والاحتلال، وتحسين صورة الدولة أمام الرأي العام، والترويج لهويتها الخاصة في الساحة الدولية، ولكن أن يكون السبب هو “ديك رومي” فالأمر مستهجن قليلاً، ويُثير العديد من التساؤلات.
مؤخراً غيرت تركيا لفظ اسمها باللغة الإنكليزية من (Turkey) إلى (Turkiye) لتشابه اللفظ القديم مع لفظ الديك الرومي بتلك اللغة، إذ سئمت أنقرة، أو قيادتها السياسية، من المقارنة التي تحصل بين اللفظين، والخلط بينهما في محركات البحث العالمية، لذا قدم رئيس النظام التركي، رجب طيب أردوغان، طلباً للأمم المتحدة في هذا الإطار، الأمر الذي استجابت له المنظمة الدولية بشكل فوري وسريع.
الإسم الذي عُرفت فيه تركيا، لقرابة مائة عام، منذ تفكيك الإمبراطورية العثمانية، تغير بسبب هذا التشابه اللفظي، وأصبح اليوم “Turkiye” تبعاً لطريقة النطق المتعارف عليها في اللغة التركية، ووفقاً للتبريرات المنتشرة، فإن الكلمة الجديدة أكثر ارتباطاً بالجذور الثقافية المحفورة بالتاريخ التركي، وأيما تاريخ!.
أردوغان، ومنذ نهاية العام الماضي، إعتمد عبارة “صنع في تركيا” بالكتابة الجديدة لتصدير المنتجات التركية، أي حتى قبل أن توافق الأمم المتحدة على ذلك، وشدد على أن استخدام اللفظ القديم يُعد مخالفةً ومؤشراً سلبياً من قبل الجهة التي تستعمله، والكلمة الجديدة، بحسب تعبيره، تعبر عن حضارة وقيم الأمة التركية بشكل أفضل، ولكن عن أيُّ أمة يتحدث؟.
هي خطوة لتصحيح صورة الدولة، أو حاكمها، من خلال اللعب على الوتر القومي للأتراك، فكل شخص لديه ارتباط عاطفي مع اسم بلاده مهما كانت انتماءاته، الأمر الذي ركز عليه أردوغان لعله يستعيد بعضاً من شعبيته التي فقدها نتيجة سياساته الخاطئة، داخلياً وخارجياً، مع الإشارة إلى أن اسم تركيا، بلفظه القديم، في قاموس كامبردج، يعني الفشل الذريع أو الشخص الغبي.
هذه الحملة الواسعة لتغير الإسم ليست إلا محاولة لتشتيت الأنظار عن الأزمات الداخلية والخارجية لتركيا، ووضع أردوغان بموقع حامي الاحترام الدولي للبلاد، لكسب تعاطف الأتراك وتأييدهم، إضافة لكونها مجرد خطوة دعائية لتسويق فكرة أن أردوغان متعصب لتركيا العظيمة ويحاول إعادة أمجادها العثمانية.
وإذا ما نظرنا إلى الإجراءات التي اتخذها أردوغان داخلياً، خلال السنوات الأخيرة، نجد أنها لم تُثمر إلا عن تدهور الأوضاع الاقتصادية أكثر فأكثر، حيث انخفضت قيمة العملة المحلية بنحو 44% عن عام 2021، وزادت معدلات الدين العام، فضلاً عن ارتفاع معدلات التضخم إلى 73%، هذا الارتفاع الذي أدى لتآكل جيوب الأتراك وميزانياتهم، كما تعاني تركيا من عجز في ميزان التجارة الخارجية بنسبة بلغت 157% هذا العام، وهو أعلى عجز على الإطلاق تشهده البلاد.
والمشاكل التي يعاني منها الاقتصاد التركي قد تفوق أي تقدم في السياسة الخارجية، فحتى تغيير الاسم لن يشكل أي فرق، طالما بقيت أجهزة الحكومة التابعة لأردوغان تعمل على إخفاء القيم الحقيقية لمعدلات التضخم، وتحاول التستر على الأزمات التي خلفها أردوغان وأثرت على الاقتصاد، إذ تُتهم هيئة الإحصاء الوطنية بتقليل حجم التضخم عمداً، الأمر الذي كشفته مجموعة أبحاث التضخم التي تضم اقتصاديين أتراك مستقلين، بأن نسبة التسارع في تلك المعدلات بلغت 160,8%، أي أكثر من ضعف الرقم الرسمي.
كما أن الأخبار المتداولة عن حملة عسكرية تركية في الشمالي السوري، تسببت بفقدان الليرة التركية قرابة 48% من قيمتها، الأمر الذي لن يساعد في إنقاذ شعبية أردوغان، خاصة وأن قيمة الليرة تنخفض بشكل كبير مع كل عملية عسكرية تركية، وكأن نقاطه في رصيد الناخبين الأتراك لا تزيد، وخطابه القومي لا يستقيم إلا بالظهور بمظهر “فاتح عين العرب”، واعتبار التدخل في شمال سورية مسألة بقاء بالنسبة لتركيا.
طريقة أردوغان هذه المرة، بتغيير اسم تركيا في المحافل الدولية، ما هي إلا إلهاء رمزي لصرف أنظار الشعب عن تفاقم الأزمات الداخلية، لغايات مرتبطة بالانتخابات الرئاسية المقرر عقدها عام 2023، فرئيس النظام التركي جعل من سياسة بلاده، اقتصادياً وخارجياً، في هذه الانتخابات المصيرية، حملة مفتوحة له.
وعلى الرغم من أن أردوغان أعلن ترشحه بشكل رسمي، إلا أن هناك جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية والقانونية التركية حول مدى أحقيته بالترشح لفترة رئاسية جديدة، على اعتبار أن ولايته الحالية، التي بدأت عام 2018، هي الثانية، بعد فوزه عام 2014، غير أن هناك من يرى أن التعديل الدستوري عام 2017 يُصّفر الاحتساب العددي، لتصبح الولاية الحالية هي الأولى.
المنافسة على الانتخابات لن تكون سهلة أمام أردوغان، فالأحزاب المعارضة توحدت هذه المرة لتشكيل جبهة قوية هدفها هزيمته وعزله، معتمدة على تدني شعبيته نتيجة الأزمات الاقتصادية لتعزيز موقعها في الداخل التركي، حيث تركز على استقطاب الناخبين الغاضبين من سياسات رئيس حزب العدالة والتنمية، فهم يحمّلون أردوغان مسؤولية إنهيار العملة المحلية وتردي الأوضاع المعيشية للمواطنين.
وتنتقد الأحزاب المعارضة تدخلات أردوغان في السياسة النقدية، وتقويضه لاستقلالية البنك المركزي، من خلال استمراره بفرض تخفيضات قسرية على أسعار الفائدة، كما ترى، إضافة للعديد من الشخصيات الأكاديمية والحقوقية، أن طموحات أردوغان الشخصية، التي دفعته لخوض معارك خارجية مع العديد من دول الجوار، هي السبب في الأزمة الداخلية التي تعيشها تركيا اليوم.
وبحسب العديد من السياسيين والاقتصاديين الأتراك، فإن النهج العدواني الذي ينتهجه أدروغان تجاه الشركاء الغربيين، وتصعيد لهجة الخطاب ضد الغرب، خلال السنوات الأخيرة، أضرت بالاقتصاد التركي، حيث دفعت تلك التصرفات المستثمرين الأجانب لتجنب الاستثمار في السوق التركية.
ومع الأخذ بالحسبان الانهيار الاقتصادي، والفشل السياسي الخارجي، فإن المعركة بالنسبة لأردوغان تبدو أكثر صعوبة بما لا يقارن بأي استحقاق سابق، وعليه فإنه يحاول تحويل أي مسألة خارجية إلى فرصة دبلوماسية، لإثبات الوجود على الساحة الدولية، واستعادة القليل من الثقة التي فقدها بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها مواطنوه.
إن تغيير اسم تركيا، واعتماد لفظ جديد لا يتعلق بمنع التشابه مع كلمات لها معاني أخرى باللغة الإنكليزية، أو النأي عن مرادفات غير محبذة في لغات أخرى، بل هو مجرد جذب انتباه وتحسين صورة، أو تلميعها، واستعادة شعبية فقدت خلال أزمات تفاقمت على مر سنوات، واستعدادً لانتخابات ستضع مصير أردوغان السياسي على المحك.