على وقع قرار تصدير زيت الزيتون.. احتكار وتخزين وارتفاع سعره يجوّع الفلاح والموطن والمعنيون ينفون أي زيادة!
البعث الأسبوعية- ميس بركات
شهدت الصفحات المختصّة بتسويق المنتجات الزراعية شحّاً غير مسبوق في عروضها لبيع مادة زيت الزيتون بالتزامن مع صدور قرار السماح بتصديره لغاية شهرين، لاسيمّا وأنّ المادة باتت هي الأخرى من الرفاهيات التي لم تعد في قائمة المؤونة السنوية للأسرة السورية كما كانت في سابق عهدها، فدخول سعر لتر زيت الزيتون في بورصة الأسعار وتجاوز سعر اللتر منه الـ16 ألف ليرة في حين تجاوز سعر التنكة الـ300 ألف ليرة، أدى لإحجام حقيقي لشراء هذه المادة والاكتفاء بالظروف الصغيرة التي تُباع في المحال التجارية وخلطها بالزيت النباتي الذي هو الآخر لم يسلم من نار الارتفاع تحت وطأة الحرب الأوكرانية تارة وارتفاع سعر الصرف تارة أخرى وظروف اقتصادية غير واضحة المعالم للمواطن.
ومع قرار تصدير زيت الزيتون أو وقف تصديره كان الحال واحداً عند أغلب البيوت السورية التي لا ناقة لها ولا جمل من هذه القرارات التي برأيهم تصدر لمصلحة جهات أخرى “تجار ومصدرين…” في حين يبقى المستهلك والفلاح خارج تغطية القرارات الحكومية وآخر اهتماماتهم، ولعلّ أكبر شاهد على ذلك هو عدم تطبيق قرار السماح بتصدير الثوم رأفة بحال الفلاحين والذي لم يشهد تصدير أي كيلو حتى اليوم في الوقت الذي رمى فيه الفلاح محصوله في الأراضي، ناهيك عن مواسم الحمضيات والفلاح التي تستنجد في كل عام دون فائدة، متسائلين عن الجدوى من هذه القرارات المتأخرة!.
خلل في القرارات!
ارتفاع سعر الزيت النباتي وزيت الزيتون بشكل غير مسبوق خلال الأشهر الماضية أغلق جميع الطرق الملتوية التي كان يلجأ لها المواطن لتوفير زيت الطعام بشكل شهري سواء عن طريق شراءه لبضع لترات من زيت الزيتون وخلطها بالزيت النباتي أو حتى الاستغناء عن الزيت الزيتون بشكل نهائي والاكتفاء بالزيت النباتي، إلّا أن ارتفاع سعر الأخير بشكل كاد يفوق سعر زيت الزيتون لم يترك أمام المواطن سوى خيار الانصياع و”التقتير” وشراء الزيت على شكل ظرف أو “فرط”، وغيرها من الأساليب التي جعلتنا ننسى أننا من البلدان الأولى بزراعة الزيتون وتصدير الزيت إلى بلدان العالم، في المقابل وجد التجار بقرار فتح باب تصدير المادة باباً جديداً للثروة بشراء مخزون الفلاح من المادة بأسعار منخفضة وتخزينها وإعادة تصديرها بأضعاف مُضاعفة، الأمر الذي انعكس على سعر الزيت في السوق المحلية قُبيل تصدير أي لتر، فرفوف الزيت النباتي وزيت الزيتون الخاوية كانت خير دليل على خلل القرارات غير المتضمنة التخطيط والتنفيذ الجيّد على المستوى المحلي، لنقع في ذات المطب عند صدور أي قرار تصدير برفع سعر المادة وشحهّا محلياً واستفادة الفلاح من”الفتات” لا أكثر.
ضرورة التصدير
قرار فتح باب التصدير لمادة الزيت خلق حالة من الاستياء لدى الكثيرين ممن يترقبوا تضاعف سعر المادة بكثير من الخوف والقلق لما سيؤول إليه الوضع في الأشهر القادمة، في حين طمأنت عبير جوهر مديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة المواطنين بأن هذا القرار لن يؤدي إلى رفع سعر المادة وهو ضرورة ملحّة للفلاح والتاجر والاقتصاد الوطني، خاصّة وأن إنتاج الزيت يفيض عن حاجة السوق في أغلب السنوات، الأمر الذي يستدعي تصدير كميات محددة منه تجنباً لحدوث فائض من المادة في السوق، ونفت جوهر أن يكون فتح باب التصدير أو وقف التصدير يلعب دوراً في رفع المادة، إذ استمر ارتفاع سعر المادة الفائضة في السوق في الوقت الذي كانت الحكومة اتخذت قرار بوقف تصديرها، ولم تنف مديرة مكتب الزيتون تراجع إنتاج الزيت والزيتون العام الماضي إلى حوالي نصف الكمية مقارنة مع سنوات ما قبل الحرب، حيث بلغ الإنتاج العام الماضي 591 ألف طن زيتون نتج عنها 88 ألف طن زيت زيتون، في حين يبلغ معدل الاستهلاك المحلي 60-65 ألف طن، الأمر الذي يؤكد الحاجة الملّحة للتصدير.
تحديد الكمية
وتحدثت جوهر عن خصوصية تحديد تصدير المادة بكميات محددة بحيث لا تؤثر على الاستهلاك المحلي من زيت الزيتون وتوفير هذه المادة للمواطن السوري في الأسواق المحلية، مشيرة إلى أن قرار منع التصدير السابق كان بهدف توفير المادة للمواطن خلال شهر رمضان بسعر مقبول، لكن للأسف لم ينخفض سعر المادة بشكل يتناسب مع القوة الشرائية للمواطن السوري، بل نتج عن القرار السابق كميات مخزنة عند التجار بحاجة للتصريف، وكي لا يؤثر قرار فتح التصدير على حاجة السوق المحلية تم تحديد الكمية بـ 5000 طن فقط وتم تحديد النوعيات التي تصدر فيها بحيث تحمل العلامة السورية التجارية تضمن تواجد الزيت السوري في الأسواق العالمية، كما تم تحديد نوعية العبوات المصدرة وهي 8 لتر وما دون، مشددة على أهمية تصدير الزيت ليحافظ على تواجده في الأسواق العالمية والمحلية بتوازن، لاسيّما مع اقتناص دول كثيرة مكاننا في حال غيابنا عن هذه الأسواق التي بذل منتجينا التعب والجهد للدخول إليها والمنافسة فيها.
دعم ووقاية
مديرة مكتب الزيتون تفاءلت بحديثها مع “البعث” بوفرة الإنتاج هذا العام خلافاً للعام السابق، مقدمة إحصائيات حول المساحات المزروعة بالمحصول حيث بلغت المساحة المزروعة بالزيتون 696 ألف هكتار مزروعة بـ103 مليون شجرة، المثمر منها ما بين 85 -90 مليون شجرة، على مستوى كامل سورية بما فيها مناطق خارج السيطرة، مشيرة إلى وجود مراقبة الدائمة للحالة الصحية لأشجار الزيتون من قبل دوائر الوقاية بالمحافظات، كما تتم حملات لتعليق مصائد لرصد تطور حشرة ذبابة ثمار الزيتون بغرض تحديد درجات الإصابات في حال وجدت والعتبة الاقتصادية التي تستدعي التدخل عند الضرورة بعمليات المكافحة، كما تساهم الوزارة بحملات المكافحة للأمراض المتواجدة بشكل دائم مثل مرض سل الزيتون، وتتم المتابعة الدورية للحد من انتشار هذه الأمراض في هذه المناطق، إضافة إلى وجود أيام حقلية للمزارعين لإرشادهم إلى الطرق الصحيحة للمكافحة.
حالة سليمة
الخبير الزراعي “أكرم عفيف” تحدث عن فقدان الثقة بين الفلاح والجهات المسؤولة عن تقديم الدعم له وتجنّب وقوعه بخسائر، فوقوع فلاحي الزيتون بخسائر كبيرة الأعوام الماضية أدت لتخليهم عن فلاحة أراضي الزيتون، بالتالي ظهور الهشيم فيها، لتشتعل هذه الأراضي مع اشتعال الحرائق القريبة منها نتيجة عدم العناية بها وفلاحتها، خاصّة وأنّ كلفة العناية بالحقل والقطاف وأجور العمال والمعاصر كانت أكثر من قيمة الزيتون بأرقام كبيرة، ووجد عفيف أن فتح أبواب تصدير المحاصيل الزراعية هو حالة صحيحة وسليمة في حال تمت وفق تخطيط وزراعة بكميات تناسب حاجة السوق بسعر مناسب وتحقيق فائض تصديري، لكن ما يجري دائما مع صدور أي قرار تصدير هو احتكار المادة من قبل التجار بعيداً كل البعد عن المنتجين لها، لنقع في ذات الدوامة مع كل موسم بدءاً من الحمضيات وانتهاء بالزيتون، واختصر الخبير الزراعي حديثه بأن المطلوب هو الحفاظ على العمل بدقة وسلامة الخطط التسويقية وصولاً إلى منتج بسعر يرضي الفلاح والمستهلك والتاجر في آن معاً، وقدّم عفيف مثالاً لتجنّب خسارة فلاح الزيتون بأن تتدخل السورية للتجارة من خلال تمويل الفلاح للموسم وأخذها التكاليف إضافة إلى 25%، وفي حال ارتفعت الأسعار تطرحه السورية للتجارة في السوق بتكاليفه مع إضافة 30%، بحيث يتم ضبط السوق مع عدم خسارة الفلاح وتحقيق فائض تصديري، فتصدير زيت الزيتون ومنافسته عالمياً يدحض مقولة أنه لا يحقق المواصفات العالمية ويحوي نسبة أسيد عالية بغرض تشويه المنتج السوري، لكن يجب أن يترافق هذا التصدير مع تخطيط وتسويق وتنفيذ صحيح مع ضرورة وضع نسبة سنوية للتصدير تجعل المنتج يربح بشكل أكيد، وهذا ما لا يحصل منذ سنوات.