جميل قاشا .. النحات الذي يؤلف الذاكرة من طبيعة بكر
البعث الأسبوعية-أكسم طلاع
يتجاوز معرض الفنان جميل قاشا مفهوم النحت ويتعداه نحو اكتشاف حيوية خاصة تستوطن الحجر والمعدن فهو الباحث في الأماكن البكر من سرير النهر باحثاً عن حجر مختلف فعلت فيه الماء وعوامل الطبيعة الكثير حتى جعلت منه يكتنز بالاختلاف والنوعية، ربما عاش حروباً طويلة بين الأرض والأزل.. هذه الصخور النادرة يجلبها الفنان لمحترفه حيث تبدأ رواية أخرى تتمظهر بفعل ما يضاف أو يحذف من هذا الحجر .. جميل قاشا لم يكن نحاتاً بل تخطي ذلك إلى الولوج في زمن الحكاية القديمة التي يرويها فعل حواسه وأدواته الذكية بعلاقة مبدعة مع هذه الأثر الطبيعي، ويصوغ مجوهرات خاصة، إنها حلية المكان التي أبدعها الزمن في طبيعة غنية بتفاصيل الأرض.. سيقارب الفنان هذا الحال من حاضره من خلال استدعاء ذاكرة من نوع خاص يؤلفها ويمنحها لأشيائه التي يصوغ منها تمائمه ونفائسه التي تتخلق بين يديه وربما تحتاج قرطاً أو سلسالاً من معدن ليكتمل التعبير.
في المعرض المقام حالياً في صالة جورج كامل بدمشق لأعمال الفنان جميل قاشا تتنوع المشغولات بين خامات المعدن والحجر الصلب القاسي حيث أبدع الفنان نحتا في استنطاق الحجر أمثلة ومشابهات غير متوقعة من الطير والبشر وفي هذا العمل المرافق تتضح صورة طائر البوم بعينيه الواسعتين أمام دهشتنا من بلاغة هذا الفنان في تقديم مجسم الطائر من خلال حذف أقل ما يمكنه من جسم الحجر ويحافظ على ما توقع أن يكون هذا الحجر من مكانة.. إنه الشغف الذي يعيشه قاشا متجولاً بين أحضان الطبيعة وخيالاته ليمنحنا متعة جديدة تأخذنا إلى توقعات من السعادة تؤلفها الطبيعة والفنان معاً.
جميل قاشا أحد العلامات الفارقة في الفن التشكيلي السوري كواحد من أكثر النحاتين السوريين صبراً ودربة، فهو خريج قسم التصوير من جامعة دمشق في سبعينيات القرن الماضي ويعمل بدأب استطاع أن يكرس هوية جديدة من فن ينتمي للنحت وصناعة المجوهرات من المادة الطبيعية البسيطة “حجر الصوان والأحجار البللورية” ويقدمها بلغة مثقفة عالية بعيدة عن الغائية.. هنا الفن والفن فقط.. يستمر المعرض حتى نهاية شهر حزيران.