بفعل الإهمال المتعمّد أو السهو غير المسؤول.. اللاذقية أضاعت واجهتها البحرية الأثمن ..!.
اللاذقية – مروان حويجة
أفرز الانحسار الكبير للواجهة البحرية عن مدينة اللاذقية تحديات بيئية وتنموية وجمالية وعمرانية تواجه طابعها السياحي بعد أن ضاقت كثيراً.
معالم هذه الواجهة بمرور الزمن بفعل الإهمال- سواء المتعمد أو الحاصل سهواً- ونتيجة تغييبها عن الخطط والبرامج التي أسقطت هذه الحلقة المحورية الضرورية لأية مدينة بحرية ومنطقة شاطئية، سجلت في سجل الخسارات الفادحة.
إهمال حرم اللاذقية من واجهتها البحرية بمرور الزمن كان بفعل عدم مراعاة هذه الواجهة في التوسع العمراني والاستثماري لتحل محلها منشآت حجبت مسافات طويلة من الواجهة التي باتت شبه مفقودة وضائعة حتى غدا هذا الضياع- وهنا الطامة الكبرى- أمراً واقعاً كما يردده المختصون قبل غيرهم من العامة، أي أن التصويب المتخيّل بات مستعصياً، وأن ما يمكن الاشتغال عليه وفعله يقتصر على المتبقي من الواجهة البحرية، وهذا بحد ذاته يبعث على الخيبة الكبيرة لاعتبارات كثيرة ليست شكلية حتماً، ومنها أن الواجهة جزء أساسي من الهوية المعمارية للمدينة، وعنوان رئيسي لطابعها السياحي، ومؤشر حقيقي على واقعها البيئي، ومدخل واسع لتطورها التنموي والملاحي، إضافة إلى كونها تشكّل واجهة حضارية بكل الأبعاد والدلالات، بما فيها التراثية المرتبطة بالبحر بكل مفرداته ومنتجاته ونشاطات العاملين فيه، وزائريه ومرتادي شاطئه، والمعتمدين على رزقهم من كنوزه وخيراته وأمواجه وملوحته، فأين نحن من بحرنا هذا كله؟!.
لعله بات يكفي أن نعلم أن ارتياد الشاطئ بات أقرب إلى الحلم لندرك حجم الهوة التي باعدت أبناء البحر عنه قبل غيرهم، أليس مستغرباً أن يصبح البحر عبئاً وحلماً وكابوساً، لأنه بمقارنة سريعة بين الأمس واليوم نجد أن شواطئه الواسعة على مد النظر كانت مواقع للسياحة الشعبية المرغوبة والجاذبة، أما اليوم فقد انقلب المشهد تماماً مع انحسار هذه المساحات المفتوحة التي باتت غائبة تقريباً إلا بعد تسديد تعرفة دخول أقلها خمسة آلاف للشخص الواحد في المساحات المتاحة للسباحة في مناطق السياحة الشعبية، وعندما نعلم أن معهد الأبحاث البحرية لم يعد جاراً للبحر بكوادره وطواقمه، وأن الصناعات البحرية غائبة تماماً.
المؤسف أيضاً عندما نعلم أن حكايات الصيادين كاد يطويها النسيان، والشواطئ المفتوحة لم تعد مفتوحة، تعتصرنا الحسرة على انحسار الواجهة البحرية التي باتت بعيدة المنال، وضرباً من المحال، وهذا ما ينبغي أن يستنهض كل المؤسسات المعنية للحفاظ على ما تبقى من هذه الواجهة، وإعادة إحيائها بإجراءات وبرامج يتم إدراجها في كل الاعتبارات التخطيطية المتاحة فيما تبقى من مساحات وفراغات، والأهم من ذلك اعتبارها أولوية مطلقة في الخطط والبرامج والمشروعات التي تراكمت وتزاحمت وتلاصقت وارتفعت على حساب انكفاء الواجهة البحرية التي تعدّ المتنفس والأفق والمدى لأية مدينة بحرية شاطئية.
في الواقع إن المشهد صادم بكل المقاييس العمرانية والبيئية والسياحية والتخطيطية والجمالية والملاحية، أما الذين يتعمّدون تبرير المآل، وما وصل إليه الحال بأولويات اقتصادية واستثمارية، فنؤكد لهم أن اللاذقية باتت أحوج ما تكون إلى تحقيق المواءمة بين واجهتها البحرية ومشروعاتها السياحية والاستثمارية.
مهما يكن الواقع مريراً والمشهد صادماً بكل المقاييس، فإن تضافر الهمة التخطيطية والإرادة التنفيذية والعقل الهندسي يمكن أن يبقي الأمل قائماً بإعادة إحياء معالم من الواجهة البحرية بأولويات تتماهى مع اعتبارات اقتصادية واستثمارية بآن واحد، لأن عدداً كبيراً من المدن البحرية في العالم تزدان بواجهتها البحرية، وبحركتها الملاحية والسياحية، وبجمالها العمراني، وبطابعها البيئي الحيوي.