مرض “التجميل” يصيب المهووسين بتقليد المشاهير.. مواد وحقن غير معروف مصدرها!!
سنوات طويلة كانت فيها الكثير من العيادات “الجلدية” خاوية على عروشها من المرضى، سوى من يعانون من أمراض جلدية مزمنة، لينقلب الحال في غضون السنوات العشر الأخيرة وتصبح تلك العيادات بحاجة إلى حجز مسبق وانتظار لساعات ليست بالقليلة بغية الحصول على حقنة “بوتكس” أو “فيلر” أو غيرها من عمليات التجميل التي انتشرت بشكل ملفت بين ليلة وضحاها، ويصبح التجميل الهمّ الشاغل للكثير من النساء، وتعداه إلى الفتيات العشرينيات اللواتي ما زلن يحتفظن بنضارة وبراءة الطفولة، لكن على ما يبدو فإن هذه الموضة لم تعد حكراً على فئة معيّنة رسمت تجاعيد الحياة خطوطها على وجوههم، بل غدت ظاهرة خطيرة أودت بالكثيرات إلى المشافي بعد حقنهن بإبر منتهية الصلاحية، دون أن يشكّل هذا أي رادع للأخريات ممن سيطر على عقولهن هوس تقليد المشاهير!.
تشوهات وشكاوى
استطاعت العيادات الجلدية استقطاب عدد ليس بالقليل من هذه الشريحة “هواة الفيلر والبوتكس”، ومعالجة البشرة من خلال تطوير عملهم واطلاعهم على حقن هذه الإبر في الدول الأخرى، لتغدو مصدر رزق كبيراً لهم إلى جانب التخصّص الأساسي، في المقابل استطاعت الجراحة التجميلية في سورية أن تشقّ طريقها في غضون سنوات قليلة، لتصبح الاختصاص الأكثر إقبالاً والأكثر مالاً، إذ أكد مصدر في نقابة الأطباء بدمشق لـ”البعث” تجاوز عدد الأطباء المتخصّصين بالجراحة التجميلية الـ200 طبيب، في حين يشير الواقع إلى تجاوز عدد الأشخاص الذين يزاولون هذه المهنة هذا الرقم، ولاسيّما أن المراكز التجميلية والتي تجاوز عددها الـ100 مركز تُدار من قبل أطباء ومشرفين أجروا دورات تجميلية، ولم يخفِ المصدر أن الكثير من عمليات التجميل التي تقوم في هذه المراكز من قبل غير مختصّين بالجراحة أدّت إلى تشوهات وصلت بشكاوى إلى النقابة تمّ محاسبتها من خلال تحويل الطبيب المتهم إلى مجلس تأديب، لكن ورغم ذلك لا زال الإقبال على هذه العمليات بازدياد بشكل شهري لا سنوي.
تنافس ذكوري
ولم يقتصر ارتياد هذه العيادات على فئة “الإناث” اللواتي حمّلن على أجهزتهن الخليوية أشكال وجوه وتقسيمات للأنف وأنواع عيون أردن تقليدها على وجوههن، لتشهد هذه العيادات والمراكز المتخصّصة إقبالاً مخيفاً من فئة الرجال ممن هم بحاجة للتجميل نتيجة عاهة دائمة، أو تلك الفئة المتصابية والذين أرادوا محاكاة الموضة أيضاً ومواكبة العصر للعودة إلى عمر المراهقة بأوجه منحوتة عند أطباء التجميل، إذ يرى الدكتور عصام فلوح “اختصاص أمراض جلدية” أن الحرب تركت بصمتها في الكثير من الأحيان على وجوه المواطنين “شباناً وفتيات ورجالاً ونساء”، ولاسيّما أولئك المتضررين من التفجيرات وقذائف الهاون والحرائق وغيرها من الأعمال الإجرامية التي أدّت إلى إحداث تشوهات جسدية دائمة، الأمر الذي دفع بعدد لا بأس به من هذه الشريحة إلى ارتياد عيادات الجلدية بهدف العلاج والتجميل في الكثير من الأحيان، لكنّ ووفق ما صرّح به فلّوح لا تتعدّى نسبة هذه الفئة الـ1% من زبائن هذه العيادات، رافضاً إطلاق تسمية مرضى على من يرتادون المراكز والعيادات التجميلية لتقليد المشاهير. وتحدث فلّوح عن ازدياد واضح في نسبة الرجال المرتادين لهذه المراكز في بلدنا بعد أن فاقت نسبتهم نسبة الإناث في دول أخرى، ليحذو الرجال حذو النساء في عمليات التجميل، وتأتي في مقدمتها عمليات زرع الشعر وتجميل الأنف وشفط الدهون لتقليل الوزن.
مصدر مجهول
ولم يقتصر إجراء عمليات التجميل على العيادات والمشافي، بل تعداه إلى صالونات الحلاقة والصيدليات التي اتبع القائمون عليها دورات تدريبية في حقن الإبر التجميلية وتوزيع “كروت” تجذب الزبائن بصور لشفاه ووجوه مشاهير قادرين على تقليدهم دون أي حسيب أو رقيب، إذ يرى الخبير الاقتصادي إسماعيل مهنا أن التهافت على إجراء عمليات التجميل من قبل شريحة كبيرة من النساء والرجال خلال السنتين الأخيرتين يثير الكثير من التساؤلات حول مصدر الدخل اللامحدود لهم، ولاسيّما أن الوضع المعيشي في البلد في أدنى مستوياته، ناهيك عن أن إجراء أول عملية تجميلية سيدخل المريض في دوامة العمليات التجميلية، خاصّة وأن حقن الإبر يليه متابعة كلّ 6 أو 8 أشهر، وبالتالي هي مصدر دخل مستمر للمركز أو الطبيب المختص، الأمر الذي يؤكد انقسام مجتمعنا إلى طبقتين فقط من الفقراء والأغنياء سواء الأغنياء الأصليين أم محدثي النعمة نتيجة الحرب وتبعاتها، لافتاً إلى إصابة الكثير بالعدوى في مرض التجميل وسعي الكثيرات إلى سحب قروض من رواتبهن المحدودة أو الاشتراك بجمعيات ضمن دائرة الوظيفة لإجراء هذه العمليات كنوع من الغيرة والتقليد وعدم الرضا عن النفس، لنصل إلى تشوّه حقيقي في مجتمعنا واستنزاف لجيوب الكثيرين ممن لا حول ولا قوة لهم سوى دخلهم المحدود.
مراكز تجارية!
وأطلق الخبير الاقتصادي تسمية المراكز التجارية على المراكز التجميلية، والتي هدفها الربح أولاً من خلال تقديم عروض والترويج للعمليات عبر منصات التواصل الاجتماعي والإعلانات الطرقية، متسائلاً عن غياب دور الإعلام والإعلان في الحدّ من هذه الظاهرة وعدم السماح للترويج لها إلاّ في الحدود الدنيا، مشيراً إلى عدم وضوح المصدر الحقيقي لهذه الحقن والمواد التجميلية التي يتمّ استيرادها بشكل سنوي بملايين الليرات دون أي توضيح من الجهات المسؤولة عن مصدر هذه المواد والعائد الاقتصادي لها. ولم ينفِ مهنا حاجة الكثير من الأشخاص لهذه العمليات، وخاصّة بعد الحرب وتعرّض البعض لتشوهات، إلّا أن المتعدّين على هذا الاختصاص أساؤوا لمهنة الطب الذي يجب أن يُبنى على أسس علمية وطبية لا مادية فقط، لافتاً إلى وجوب التشديد من وزارة الصحّة على العاملين في المراكز التجميلية وصالونات الحلاقة والصيدليات بضرورة قيام الأطباء الحاصلين على شهادة اختصاص بالتجميل والمرخصين على أساسها من وزارة الصحة بهذه العمليات، وتشديد العقوبة على المتجاوزين في القانون السوري، وإلّا سنصل إلى تشوّه باطني حقيقي لمجتمعنا، ظاهره وجوه جميلة في بعض الأحيان ومشوّهة في الكثير منها!.
ميس بركات