نظرية “المواطن بخير”!
بشير فرزان
وضع الواقع الاقتصادي المعيشي على سكة الحلول يتطلّب أولاً الانطلاق من حقيقة أن جزءاً من المشكلات الداخلية له علاقة بالخطط الاقتصادية الداخلية، وليس فقط بالوضع الخارجي، وهذا يعني أن نميّز بين أسباب لها علاقة بالحرب، وأسباب لها علاقة بالحصار، وأسباب لها علاقة بالخطط الحكومية، وأسباب لها علاقة بالوضع الاقتصادي العام الذي قد تكون الشركات مسؤولة عنه، وربما عادات المواطنين بمجتمعات مختلفة تساهم أحياناً سلباً وإيجاباً في الوضع الاقتصادي، كما أوضح السيد الرئيس بشار الأسد في حديثه لقناة RT” قبل أيام. وطبعاً هذا الفكر المشبع بالعقلانية والقراءة الصحيحة للواقع بكل تفاصيله يشكّل إمساكاً بطرف الخيط نحو مساحات أوسع للحلّ وتجاوز التحديات من خلال إدارة الدفة الاقتصادية والإصلاحية بأقل قدر ممكن من الهفوات والثغرات لناحية الفساد والإدارة.
ولا شكّ أن العودة إلى الواقع التنفيذي تكشف حقائق كثيرة عن انعتاق هذا الفكر الإصلاحي من الحياة الاقتصادية والمعيشية ومن القرارات الحكومية بمختلف أنواعها، والتي نرى أنها تزداد غرقاً في مسارات اللا حلّ والإخفاق، وتمعن في تطبيق منظومة القوننة التي باتت مساراً معيشياً ضاغطاً على الحياة العامة بأقسى الأشكال والطرق التنفيذية التي أقلّ ما يُقال فيها إنها غير منطقية، فكيف للمواطن أن يعيش بـ 100 ألف ليرة لتأمين كفاف عيشه كما يقال؟ وكيف يطلب منه الالتزام بالقانون وهو الضحية الدائمة للسياسات التي ترمي به إلى السوق السوداء في كل مستلزماته؟ وأين العدالة بمناشدة الشباب على البقاء وعدم الهجرة في الوقت الذي لم توضع بعد أسس صحيحة للتعاطي مع قضاياهم التي تقذف بهم إلى بوابات السفر؟
وكما قلنا وأكدنا سابقاً، فإن تعزيز ثقافة الأمل يحتاج نهجاً واضحاً من جميع النواحي، ورفع المظلة التي تحمي الفاسد، ومن هنا تبدأ مهمّة صحافة الحلول التي تكشف في كلّ يوم عن هذه الحالات المختبئة في جلباب من يسطون على المال العام، ومن ثم يستثمرونه في المتاجرة بحقوق المواطن وحياته، وخاصة في خضم الواقع الاقتصادي المعيشي المتداعي. والغريبُ ذلك النفخ المريب في مسار فشل الإعلام بكل وسائله برسم خارطة الحلول، رغم ما يقدّمه على مدار الساعة من وقائع وشواهد وحلول لظواهر وملفات تجسّد مواقع التقصير، وتبرز مكامن الخلل التي تمنع أن يمتلك الشارع السوري الإيمان والثقة والإرادة، وأن يواصل العمل والإنتاج والتطلع إلى المستقبل وامتلاك إرادة التحدي التي تجعله أكثر صلابة وقدرة على التحمّل وصناعة المستحيل!
باختصار، اليوم الموظف “العامل” والفلاح يعملان بالحالة الوطنية وليس بالأجر الوظيفي أو بالمردود والعائد السنوي للمؤسّسات وللمواسم المخسرة، وهنا السؤال الأهم: إذا كان الكثير من المؤسّسات قد تحوّل إلى دكاكين من حيث الإنتاج وعقلية الإدارة، وحتى نهج التعامل مع المواطن، فكيف يمكن أن تنهض بواقع اقتصادي أو اجتماعي في وقت بات رغيف الخبز صعب المنال، ويحصل عليه الناس بشق الأنفس مع زيادة في أسعار أساسيات الحياة الغذائية، بدءاً من الخضار وانتهاءً بالبقوليات واللحوم، وقد بلغت الزيادة أرقاماً فلكية بما يزيد من عدد المحتاجين الذين لا يملكون ثمن رغيف الخبز، هذا عدا عن استنزاف فظيع وابتزاز علني في قطاع المحروقات، كما تتواصل مسرحية ضياع تعب الفلاح تحت عناوين عديدة لا تنتهي!!
إن الأيام الحرجة التي يعيشها المواطن والحكومة تفرض إخضاع الجميع لمسؤولياتهم وواجباتهم ولمقياس التكاليف، بحيث تخضع الرواتب والأجور لتكاليف الواقع المعيشي. وهناك حلول كثيرة في حال توفرت الجدية والإدارة ذات السياسة الصارمة التي تُخضع الجميع للمساءلة دون استثناءات، وبذلك تصبح نظرية “المواطن بخير” حقيقة واضحة، ومفهوم “عنا أرخص” أكثر قرباً من الدخل الشهري للمواطن الذي بات دون أية قيمة شرائية أو معاشية.