عدم التنسيق بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص يحول دون توسّع رقعة المشروعات الصغيرة والمتوسطة
حماة – ذكاء أسعد
اعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور محمود كدالم أن إهمال دور ثقافة الريادة والإبداع من أهم أسباب فشل المشاريع المتوسطة والصغيرة، إضافة إلى غياب أو ضعف الأسس القانونية الناظمة لعملها، وعدم توفر بيانات وإحصائيات للسوق، مع عدم وجود تنسيق بين الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص.
وبيّن كدالم أن المصارف التي بدأت بوضع برامج ودراسات وخطط لإقراض المشاريع المتوسطة والصغيرة لم تزل دون المستوى المطلوب على أرض الواقع، حيث تفضّل هذه المصارف منح القروض للشركات الكبيرة، إضافة إلى الروتين والتعقيد للحصول على التراخيص، وتعدد الجهات المانحة والمشتركة.
ومع هذه المعوقات وسوء الإدارة والتخطيط جاءت النسب لتؤكد صحة ما ذكر، لاسيما أن مدير الهيئة العامة لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة إيهاب اسمندر اعترف في تصريح له بأن معظم المشاريع في سورية متناهية الصغر، كونها تشكّل نسبة 65% من المشاريع، والصغيرة 35%، بينما لا تتجاوز نسبة المشاريع المتوسطة 4%، علماً أن هذه المشاريع تشكّل نحو 65% من الناتج المحلي الإجمالي، و62% من فرص العمل.
في المقابل اتهم الخبير التنموي أكرم عفيف أصحاب القرار بجهلهم لمعنى التنمية، أو تجاهلها عمداً، واحتساب الجدوى الاقتصادية بعيداً عن الجدوى التنموية، إلى جانب سوء إدارة الموارد من قبل صانعي القرار، مبيّناً أن أزمة انخفاض سعر الثوم الأخيرة- على سبيل المثال- كان لابد من استثمارها بتشغيل عشرات آلاف الأسر لإنتاج المخللات والثوم المجفف وتصديره عبر شركات سورية لكافة أنحاء العالم.
واعتبر عفيف أن الاقتصاديات الورقية أثبتت للعالم أنها اقتصاديات وهمية تحاول إقناع الغالبية بكذبة الدولار الذي يستطيع تغيير شكل العالم، ولكن سرعان ما أظهرت الحرب الأوكرانية الأخيرة أن الحرب حرب موارد لأن الاقتصاد الروسي يصنف عالمياً 20 أو 30 من ناحية التصنيف الورقي، إلا أننا بدأنا نرى الاقتصاد الروسي يرتقي، بينما تهاوى الاقتصاد الغربي تحت ضربات قلة الموارد.
ويرى الخبير عفيف أن سورية بلد الموارد التي يجب العمل على إدارتها بشكل سليم، والسعي نحو الوفرة، والعمل على المشاريع متناهية الصغر، مؤكداً بدء العديد من الأسر الريفية بهذه المشاريع بتكاليف صغيرة كمشروع البط المصري، حيث ينتج سنوياً 3 أو 4 أفواج، وينتج حوالي 50 بطة في الفوج الواحد، إضافة إلى تربية الدجاج البلدي والماعز منزلياً، أو تربية بضعة خراف، وبهذا يتم تحقيق الاكتفاء الذاتي مبدئياً، ثم يتم الاتجاه نحو وفرة الإنتاج والتسويق.
“البعث” التقت بعض أصحاب المشاريع الصغيرة، إذ تحدثت السيدة سعيدة عن تجربتها من خلال تربية الماعز بكلفة 475 ألفاً، حيث تنتج الماعز نحو 2 كيلوغرام من الحليب يومياً، أي نحو 120 ألف ليرة شهرياً، بمعدل راتب موظف شهرياً، وبيّنت أن حاجة أسرتها من الحليب أسبوعياً هي 10 كيلوغرامات، وهكذا يتم توفير كل احتياجات المنزل من مشتقات الحليب: “الجبن، الزبدة، اللبن، القريشة والشنكليش.. إلخ” بمشروع لا تتجاوز تكلفته مصروف شهر واحد للأسرة.
اما الجريح فادي فبيّن أن الظروف المعيشية، والإصابة التي تعرّض لها ألزمتاه بالتفكير جدياً بمشروع يعينه في معيشته، فاختار الفطر المحاري الذي يعتبر مشروعاً “صفري” التكاليف، حيث قام أحدهم بالتبرع له ببعض المستلزمات، وبدأ بالتنفيذ لينتج سنوياً ثلاث مرات بمردود مادي جيد، خاصة أن زراعة الفطر المحاري لا تحتاج جهداً أو تمويلاً كبيراً.
مدير فرع هيئة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة في حماة غسان جرجس بيّن أن دور الهيئة يقتصر على تنفيذ دورات بريادة الأعمال مجاناً، حيث يتم تعليم المتدربين على كيفية تنظيم المشروع، وجودة المنتج وتسعيره، ودراسة الجدوى الاقتصادية له، مشيراً إلى وجود دورات عديدة في كافة المحافظات للخياطة، وصيانة الحاسوب والجوّال والكهربائيات والصناعات الغذائية وصناعة المنظفات وكافة المهن، حيث تقدم هذه الخدمات في معاهد متخصصة بجهود اختصاصيين لكل مجال، وتقوم الهيئة بدفع كافة تكاليف هذه الدورات، كما تقوم بتنفيذ عدة معارض وملتقيات ومهرجانات في محافظات القطر تتم خلالها إتاحة الفرص لتبادل الأفكار، وإيجاد وكلاء بهدف الترويج والتسويق للمنتج، مع تحمّل الهيئة كافة تكاليف الإقامة.
ولفت جرجس إلى وجود توجهات مستقبلية للهيئة لمنح تراخيص للمتدربين عن طريقها، وإعفائهم من السجل التجاري لمدة عام، والعمل على إقامة حاضنات أعمال في الأرياف للتدريب، ومنح المعدات والآلات للتدريب في الحاضنات.