فرنسا مرشّحة لعدم الاستقرار السياسي خلال السنوات الخمس المقبلة
هيفاء علي
كما هو متوقع، مُني الائتلاف الحاكم “معاً” الذي يترأسه الرئيس ايمانويل ماكرون بنكسة سياسية وفق نتائج الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية بعد خسارته الأغلبية المطلقة التي كان يتمتع بها في الجمعية الوطنية، حيث لم يحصل سوى على 230 مقعداً، فيما سجل “التجمع الوطني” اليميني اختراقاً تاريخياً في هذه الانتخابات بحصوله على 89 مقعداً، ليدخل مقر الجمعية الوطنية من بابها الواسع، أما الاتحاد الشعبي اليساري بقيادة جان لوك ميلنشون، فقد بات أول قطب معارض في البلاد بانتزاعه 149 مقعداً.
وبالنسبة للوزراء والشخصيات السياسية التي شاركت في الانتخابات التشريعية، هناك ثلاث وزيرات في حكومة اليزابيث بورن سيغادرن الحكومة بعدما انهزمن في الدورة الثانية، وهن: بريجيت بورغينيون وزيرة الصحة، وجوستين بينان كاتبة الدولة المكلّفة بالبحار، واميلي دو منشلان وزيرة التحول البيئي، كما هزم رئيس الجمعية الوطنية ريشار فيران المقرب من ماكرون، وكريستوف كاستنير رئيس الكتلة البرلمانية للتحالف الرئاسي في الجمعية نفسها ووزير الداخلية السابق.
بهذه النتائج، يكون المشهد السياسي الفرنسي قد تغير بشكل عميق، وقد تسود في السنوات الخمس المقبلة حالة من عدم الاستقرار السياسي في فرنسا بعدما مُني ماكرون بنكسة سياسية مع خسارته الغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية، لذلك في هذه الحال سوف يتعين على ماكرون السعي لإيجاد تحالفات لتنفيذ برنامجه الانتخابي على مدى السنوات الخمس المقبلة.
كانت مارين لوبن زعيمة اليمين المسؤولة السياسية الأولى التي علّقت على نتائج الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية، وأعلنت فرحتها وسعادتها بفوز حزبها بعدد قياسي من المقاعد، مشيرة الى أن الشعب الفرنسي قال كلمته وتجاوز جميع العقبات عندما قرر إرسال عدد كبير من النواب إلى الجمعية التي أصبحت وطنية، إنه فوز تاريخي بالنسبة لنا، ولم يسبق أن حصلنا على مثل هذه النتيجة، وأضافت لوبن التي حافظت على مقعدها في الجمعية الوطنية: “اليوم أصبح ماكرون رئيساً يتمتع بالأقلية، وعلينا الاستمرار في تغيير الجغرافيا السياسية الفرنسية، وتشكيل كتلة برلمانية قوية تدافع عن حقوق الشعب والمستضعفين، سنكون معارضة بناءة، ولن ندافع سوى عن مصلحة فرنسا والفرنسيين”.
أما رئيس “التجمع الوطني” بالوكالة جوزيف بارديلا فقد وصف فوز حزبه بأنه “تسونامي”، واعداً بأن حزبه سيكون حزباً “معارضاً” وليس “عكازة” لماكرون، فيما اعتبرت رئيسة الوزراء الفرنسية اليزابيث بورن أن النتيجة تشكّل “خطراً” على البلاد في ضوء التحديات التي يتعين مواجهتها، مشيرة في تصريح للإعلام إلى أن حكومتها ستتواصل الآن مع شركاء محتملين سعياً لحشد أغلبية تدعمها، وأضافت: “سنعمل ابتداء من الآن من أجل تشكيل أغلبية لضمان الاستقرار لبلدنا وتنفيذ الإصلاحات اللازمة”.
تجدر الإشارة إلى أن بورن نفسها فازت في سباقها للحصول على مقعد في الجمعية الوطنية عن منطقة كالفادوس بشمال البلاد، حيث تغلبت في الدورة الثانية على منافس من تيار اليسار، أما جان لوك ميلانشون، زعيم “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد” فلم يخف فرحته العارمة إزاء النتائج التي حصل عليها التحالف الذي تأسس بعد الانتخابات الرئاسية، واعتبر ميلانشون أن خسارة ائتلاف ماكرون الغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية هو “قبل كل شيء فشل انتخابي” للرئيس الفرنسي، مضيفاً: “لقد حققنا الهدف الذي سطرناه ألا وهو إسقاط الرجل الذي أراد أن يحكم فرنسا بمفرده”، منوّهاً بأن “عالم ماكرون قد فشل فشلاً ذريعاً”، داعياً الفرنسيين إلى عدم “التشكيك في قوتهم” لأن فرنسا مفهوم سياسي، وحتى إن قاطعت الانتخابات بقوة، يجب الاستماع إلى ما يقوله الشعب.
يذكر أن نسبة الامتناع عن المشاركة في هذه الجولة بلغت 54%، وفق تقديرات معاهد استطلاع الرأي.