مجلة البعث الأسبوعية

الأمطار تُخذل وزارة الزراعة .. والرهان على القمح المروي!

البعث الأسبوعية ـ علي عبود

على الرغم من وجود سورية على قائمة الدول الجافة، أي قليلة الأمطار، فإن وزارة الزراعة مصرة على تخصيص مساحات واسعة من الأراضي للزراعات البعلية، عسى وعلّ ترويها السماء بالأمطار الكافية وبالأوقات المناسبة التي تحتاجها، بدلا من التنسيق مع وزارة الري لتأمين مصادر مياه مضمونة لريها!

ونشير إلى إن الاستفادة من مشاريع السدود وشبكات الري لا يزال في مستوياته الدنيا، لأن الجهات المعنية قصّرت بإعادة تأهيلها وما تخرّب منها خلال السنوات الماضية.

ومثل معظم الأعوام، إن لم يكن كلها، فإن الأمطار خذلت وزارة الزراعة ، وتسبّب شحها بخسائر جسيمة للفلاحين، فبالكاد نبتت في أراضيهم ما يكفي علفا للأغنام!

السؤال : بعدما خرجت مساحات واسعة من الإنتاج ما الكميات المتوقعة من عمليات تسويق القمح؟

 

“الزراعة” تنبأت بـ 2.1 مليون طن

مؤشرات التسويق حتى الآن مبشرة وتجاوزت بتاريخ 16/8/2022 كمية الـ 200 ألف طن، وهذا يعني أن الموسم الحالي سيكون أفضل من الموسم الماضي أي موسم عام القمح الذي كان فعليا الأسوأ بتاريخ مواسم القمح في سورية، لكنه لن يكون أفضل من الأعوام التي سبقته بفعل نقص مستلزمات الإنتاج!

وإذا عدنا إلى بداية الخطة الزراعية نجد إن وزارة الزراعة تنبّأت بإنتاج 2.1 مليون طن قمح من البعل والمروي، ونشدد على كلمة (تنبّأت) لأنها لم تتوقع أن تخذلها الأمطار!

والمستغرب أن الوزارة تلقي في كل عام سبب تراجع الإنتاج بالمساحات البعلية على تأخر الهطلات المطرية  في كل المحافظات، بل تتحدث دائما عن (شبه انحباس للأمطار) وكأنّ المطر انحبس فجأة بعد أعوام غزيرة حصدنا بفضلها ملايين الأطنان من القمح .. ترى إذا كانت سورية على خط المطر الغزير فلِمَ تقام صلوات الإستسقاء في معظم الأعوام؟

من جهتنا نتمنى أن يتجاوز رقم التسويق الـ 2.2 مليون طن لأن هذا الرقم يؤمن الاكتفاء الذاتي من القمح مع ما يعنيه من توفير القطع الأجنبي المخصص لاستيراده، واستعماله في قطاعات أخرى تحتاجها عملية دوران عجلات الإنتاج، ولكن التمنيات شيء ، والواقع شيء مختلف تماما !

 

لن تتجاوز 800 ألف طن

واستنادا إلى تصريح رئيس اتحاد الفلاحين بتاريخ 16/6/2022 فإنه تم حصاد أغلبية المساحات المزروعة بالقمح، أي تم معرفة ما خصص منها كأعلاف ، لكن لفتنا قوله (أنّ الكميات المتوقع استلامها تقدر بأكثر من ثلاثة أضعاف الكميات المسوقة حتى الآن)، ونستنتج من كلام رئيس التنظيم الفلاحي بحكم إطلاعه المباشر على الواقع الفعلي للحصاد والتسويق أن الكميات المسوقة لن تتجاوز الـ 800 ألف طن، صحيح أنها ضعف الكمية المسوقة في عام القمح لكنها لا تزال دون حد الاكتفاء الذاتي بكثير فهي بالكاد تشكل نسبة 36.6 من حاجتنا السنوية من القمح.

وكان التنظيم الفلاحي توقع مع بدء عمليات الحصاد تسويق مليون طن من القمح ،لكنه خفض توقعاته إلى 800 ألف طن ، ونخشى أن يخفضها أكثر في القادم من الأيام نتيجة خروج مساحات عدّة من التسويق سواء بفعل الحرائق التي تعرضت لها، أو بفعل الصعوبات التي تعترض الفلاحين خلال عمليات نقل المحصول من المناطق غير الآمنة.

ولو أمّنت الحكومة حاجة القمح من المازوت والبالغة 52 مليون ليتر بالسعر المدعوم وليس بالحر أو الأسود لكانت النتائج مختلفة تماما عند الحصاد أي كان الإنتاج أكبر والتسويق أفضل.

 

استعدادات غير كافية

ولم نستغرب تصدر محافظة حماة تسجيل أكبر كمية مسوقة بلغت 80 ألف طن أي بنسبة 40 % من الكميات المسوقة حتى 18/6/2022، لكننا نستغرب عدم الاهتمام بتأمين مستلزماتها الكافية من المازوت المدعوم والمياه والمبيدات مادامت تأتي تاريخيا الثانية بعد الحسكة في إنتاج القمح، وهي حاليا الأولى، بل كان يمكن بطريقة ما  تأمين بعض الريّات للمساحات المزروعة بعلا كي نحصد منها قمحا لا علفاً!!

وكان على الحكومة أن تتوقع تزايد أهمية الاكتفاء الذاتي من الحبوب مع البدايات الأولى للأزمة التي كانت قادمة بسرعة بين روسيا وأوكرانيا فتعمل على تأمين مستلزمات إنتاج أكثر من 2.2 مليون طن من القمح ، أي ما يحقق الاكتفاء الذاتي، وهاهي دول العالم كافة أمام أزمة خانقة ليس لصعوبة تأمين حاجتها فقط وإنما بفعل زيادة فاتورة الاستيراد بمبالغ غير مسبوقة فطن القمح حاليا وصل إلى 453 دولار يضاف إليه أجور الشحن الباهظة ورسوم تأمين .. الخ،  وقد يسجل السعر في القادم من الأيام ارتفاعات جديدة وقياسية.

 

تسعيرة تضمن تسويق كامل الإنتاج

وكان يجب على الحكومة بعد التطورات المتسارعة هذا العام أن تحدد سعر شراء للقمح أكبر من سعره العالمي على أن لا يقل عن 3500 ليرة للكيلو، وخاصة  أن المحصول تعرض لأضرار كبيرة نتيجة الظروف المناخية والحرائق، ومثل هذه التسعيرة تضمن تسويق كامل الإنتاج لمؤسسة الحبوب بدلا من تهريب المزروع منه في المناطق المحتلة إلى التجار ودول الجوار، وليس مهماً إصدار الخطة الزراعية في وقت مبكر فقط، فالأكثر أهمية تأمين مستلزماتها كي نحصد من أراضينا ما يفيض عن حاجتنا.

 

أراء لا تمت للواقع بصلة!

ولفتنا  جدا ما كشفه (مستشار اقتصادي) قبل عمليات التسويق بأيام  قليلة، فقد أكد المستشار أنس نغنغ  أننا (خسرنا العام الماضي ما لا يقل عن 3 ملايين طن من الإنتاج، بسبب عدم هطول الأمطار، لكن هذا العام، كانت وتيرة الهطول مبشرة ومن المتوقع الوصول إلى /5/  ملايين طن من الحبوب)!

نستغرب هذه التوقعات وبأرقامها المتفائلة لأنها لا تمت للواقع الفعلي بأي صلة، فحتى وزارة الزراعة لم تتنبأ بأكثر من2.1 مليون طن، ولم يسبق لسورية أن أنتجت /5/ ملايين طن حتى في السنوات التي كانت مستلزمات الإنتاج متوفرة ورخيصة وأسعار التسويق مجزية ..الخ.

ولا شك إن تراجع إنتاجنا من القمح منذ عام 2008 سببه إهمال القطاع الزراعي والانشغال بتأمين مقومات اقتصاد السوق اللاإجتماعي!

 

المستوردون يراقبون بحذر

وفي ذروة التوقعات المتفائلة حول إنتاجنا من القمح فإن التجار وهم قلة متنفذة تحتكر استيراد المادة منذ سنوات تراقب عمليات التسويق بحذر ، وتأمل أن تكون الكميات المشتراة من الفلاحين أقل من عام القمح فأي كمية زائدة عن الـ 400 ألف طن تعني خسائر فادحة لتجارتهم الرابحة والمضمونة والتي يشفطون من خلالها المليارات بالقطع الأجنبي من خزينة الدولة!

ولأن مصالح هذه الفئة من التجار تتعارض مع الاكتفاء الذاتي من القمح جذريا، فإننا كنا ولا نزال مع الكثيرين نطالب الحكومة بتأمين مستلزمات إنتاج ما يزيد عن 2.2 مليون طن قمح بأسعار مدعومة ، وبشرائها من الفلاحين بسعر أعلى من الأسعار العالمية، لكن يبدو إن هذه الأمنيات التي “تضرب” مصالح المستوردين بالضربة القاضية لن تتحقق في الأمد القريب.

 

الخلاصة

الأمطار تُخذل وزارة الزراعة في المساحات البعلية في كل عام  ومع ذلك تشجع الفلاحين على زراعتها فتعرضهم لخسائر جسيمة ، ومع أن رهانها دائما على القمح المروي فإنها لم تنجح خلال السنوات القليلة الماضية بإقناع الحكومة بتأمين  مستلزماته بالكميات الكافية وبأسعار مدعومة ، لتأتي النتائج مع انتهاء التسويق محبطة ومخيبة للآمال ، ونتمنى أن يكون موسم 2022 مختلفا جذريا عن المواسم السابقة شرط أن لا يُقارن بالعام الأسوأ للقمح!