“الناتو” في مواجهة روسيا عبر ليتوانيا
مرّة أخرى يؤكد الغرب رغبته في عداء روسيا حتى النهاية، وذلك من بوابة الأزمة الأخيرة المفتعلة عبر ليتوانيا، حيث حرّض حلف شمال الأطلسي “الناتو” أحد أعضائه على فرض حظر على نقل البضائع إلى مقاطعة كالينينغراد الروسية الواقعة على بحر البلطيق والتي تربطها بروسيا سكة حديد تمرّ عبر ليتوانيا وبيلاروس، وبزعم أنها تنفّذ عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا أقدمت فيلينوس على فرض حصار على هذه المقاطعة.
ولكن هذه المقاطعة يتم تأمين الوصول إليها أصلاً من خلال بيان تم توقيعه بين الاتحاد الأوروبي وروسيا عام 2002، وليتوانيا عضو في الاتحاد الأوروبي وينبغي عليها الالتزام بمقرّراته، وبالتالي افترض الجانب الروسي أن ليتوانيا بفعلها هذا قامت بالخروج بنفسها من الاتحاد وأصبحت وحيدة في مواجهته، وهذا ما أشارت إليه المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا من أن الردّ لن يكون دبلوماسياً وإنما عمليّ.
ولكن ما هو هذا الحظر التي يتم فرضه بالقفز على القانون الدولي، وفي الوقت نفسه يعدّ اعتداء على دولة ذات سيادة، إذ لا يمكن للمرء أن يصدّق أن ليتوانيا في هذه الظروف المعقدة تستطيع اتخاذ قرار من هذا النوع يجلب ردّ فعل روسياً قاسياً ربما يطيح بهذه الدولة على الأقل اقتصادياً.
يحاول الغرب تسويق الأمر على أنه فقط يتم في سياق فرض العقوبات على روسيا وليس وراءه هدف جيوسياسي آخر، ولكن ما أدلى به رئيس مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف من أن روسيا قمعت محاولات تخريبية في المقاطعة بدعم واضح من الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والبلجيكية والبولندية لإثارة القلاقل والسير في تحويل المقاطعة إلى إقليم حكم ذاتي تابع لألمانيا، يضع إشارات استفهام كبيرةً حول رغبة حلف شمال الأطلسي “ناتو” بسلخ هذه المقاطعة الواقعة في قلب أوروبا والقريبة من العواصم الغربية عن روسيا، وبالتالي التخلص من هذا الجيب الروسي في عمق أراضي الحلف إن صحّ التعبير.
وبهذا المعنى، ينطوي العمل الذي أقدمت عليه ليتوانيا على مجموعة من المخاطر، أهمّها أن الحلف الذي لم يطلق إلى الآن أيّ تصريح حول الأزمة الحالية، إنما يحاول صرف انتباه روسيا عن وقوفه خلف هذا الاستفزاز، وبالتالي فإنه يعمد إلى استفزاز روسيا ووضعها في خانة المعتدي على دولة عضو فيه، رغم أن البادئ في هذا العدوان هو دولة عضو في “ناتو” وفي الاتحاد الأوروبي الذي وقّع على بيان مع روسيا في عام 2002 حول تمكينها من الوصول إلى المقاطعة برّاً.
ولا يخفى على أحد أن الحلف الأطلسي يستخدم مجموعة من الدول كمخلب أمامي له لاستفزاز روسيا على حدودها الغربية، من بينها أوكرانيا وبولندا وليتوانيا التي استحوذت على المشهد بقوة الآن، بعد أن استحال ربما استخدام بولندا لهذه المهمة لاعتبارات تتعلّق بقدرة الحلف على المناورة.
والآن ربما وجد الحلف نفسه قادراً على استفزاز روسيا من باب ليتوانيا رغم أنه يدرك المخاطر الكبرى لأيّ صدام مع روسيا في هذا التوقيت، فهل يفلح الحلف في استخدام ليتوانيا ورقة ضغط على موسكو بعد عجز بولندا عن القيام بهذه المهمة، وهل سيبقى هذا الاستفزاز ضمن حدود الاحتواء الروسي، أم سيكون للكرملين رأي آخر؟.
بالنظر إلى التصريحات الروسية الأخيرة حول هذا الاستفزاز لا يستطيع أحد التكهّن بمآل الأمور، وخاصة إذا استخدمت روسيا حقها بالردّ على العدوان الليتواني على سيادتها، الأمر الذي يضع حلف “ناتو” في مواجهة المادة الأساسية في الحلف التي تنصّ على الدفاع عن البلد العضو ليتوانيا في حال تعرّضه لهجوم؟.
طلال ياسر الزعبي