هايكا فيبر تدعو إلى إعادة الحياة لقرى جبل الحص
“هكذا رسمن بيوتهن وقراهن بألوان مبهجة تسكن أرواحهن”، بهذه المفردات عبّرت الباحثة والمهتمة بالقرى السورية النائية، الألمانية المقيمة في حيّ باب شرقي بدمشق، منذ سنوات طويلة، هايكا فيبر، عن معرضها الثالث الذي تشرف عليه، والمقام حالياً في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة)، بمشاركة عاملات من إحدى قرى جبل الحص بمجموعة أعمال أنجزت قبل الحرب وبعدها.
ولا يعدّ المعرض نوعاً من توثيق أحد ألوان التراث السوري بفنّ التطريز لمناطق شمال حلب فقط، تلك القرى النائية التي تعيش بأبسط مستلزمات الحياة والتي قضت عليها الحرب، بل يقوم بدور التوثيق بالسرد البصري بالألوان وبالخطوط التعبيرية البسيطة لحكاية الحرب والتهجير والتدمير والسرقة، إضافة إلى لوحات رُسمت قبل الحرب استلهمت موضوعاتها من البيئة الطبيعية الفقيرة والحيوانات الموجودة فيها مثل الإبل والأغنام. فبرعت العاملات برسم المنازل الطينية ذات القباب والأبواب المقوسة والنوافذ الصغيرة، إضافة إلى عرض مجموعات متعدّدة من المستلزمات الصغيرة والحقائب الصغيرة والكبيرة المطرزة باللوحات بألوان زاهية موحية بطريقة فنية متناغمة.
ويتميّز المعرض بأسلوب تعبيري ينحو نحو التحوير في بعض اللوحات، بينما في لوحات أخرى كان التصوير بشكل أدق. كما أُفرد ركنٌ خاصٌ لمجموعة من لوحات التصوير الضوئي لمعالم الحياة الواقعية في تلك القرى وعمل النسوة بالتطريز. والملفت أن المعرض حقق حضوراً لافتاً من الفنانين والإعلاميين والمهتمين وبعض المغتربين في ألمانيا.
دور الإعلام
وكان للإعلام دور كبير في إنجاح هذا المعرض، كما ذكرت الباحثة فيبر في حديثها لـ “البعث”، فمن خلال متابعة الإعلام المرئي والمكتوب المعرض الأول الذي أقيم العام الماضي في المركز التربوي في القصور، عادت الاتصالات بين العاملات والمشرفة فيبار بعد الانقطاع بسبب الحرب والتهجير وطالبن بعودة العمل، وبعد عام أقيم معرض ثانٍ في حلب منذ عشرة أيام، ليتألق عملهن بالمعرض الثالث الحالي.
وتابعت: في جبل الحص مئة وأربع وستون قرية، وأنا أردت عرض منتجات كل قرية من القرى المشاركة بالعمل على حده، حتى لا تحدث منافسة بين القرى، وهذا المعرض من منتجات قرية حويرة التي كان يقطنها قبل الحرب نحو ألف شخص وتشارك بالتطريز أكثر من مئتي عاملة كنّ يطرزن عن حياتهن ومنازلهن بألوان مختلفة عن واقع الألوان الترابية، كما تهوى قلوبهن ووفق إحساسهن بالحب والارتباط بالمكان، وبأسلوب متباين من حيث التبسيط، فهن فنانات بالفطرة، كلّ واحدة منهن داخلها حسّ فني، فتعرف كيف ترسم الخطوط بالقلم الرصاص، وكيف تختار ألوان الخيوط البلاستيكية على قماش قطني وتطرز بغرزة تُدعى بـ”بوخارستش” وفي شمال حلب يطلقون عليها (الخياط) التسمية المتداولة.
التوثيق البصري للحرب
ثم توقفتُ معها عند مرحلة التحضير للمعرض، فأضافت: طلبتُ منهن توثيق الحرب في لوحاتهن، فعبّرن عن ذلك برموز ودلالات بدت واضحة ضمن هياكل اللوحة، إذ جسدت هجوم الإرهابيين وسرقة المنازل ووضع المسروقات في حافلات صغيرة، والخروج القسري للسكان بشكل مجموعات، ومن ثم كيف أضرموا النار وهجموا عليهم بالدبابات، إلى أن حلقت طائرات الجيش العربي السوري وطردت المسلحين.
وفي جانب آخر من المعرض قمنا بتفعيل دور التراث بشكل حيوي من خلال المستلزمات الصغيرة.
التعاون لإعادة الإعمار
ومن خلال الإعلام الحاضر في هذا المعرض، وجّهت فيبر دعوة لبث روح الأمل في نفوس السكان، وعودة المهجّرين من قراهم في مناطق قريبة أو الذين غادروا القطر، والتعاون بين الجهات الرسمية والخاصة والمتطوعين لإعادة إعمار القرى ليس فقط بالمال وإنما بالدعم المعنوي وبالتشجيع والعمل معهم لعدم توافر الإمكانات المادية للسكان لترميم المنازل وشراء المستلزمات الضرورية، كما أن القرى تفتقر إلى سبل الحياة، إذ لا تصلها الكهرباء بسبب سرقة الأسلاك، حتى مياه الشرب لا تصل وكان السكان سابقاً يشترون المياه، وهذا يرهقهم مادياً كونهم يعيشون على خط الفقر، فأتمنى الاهتمام من قبل المعنيين بالتخطيط لإعادة الحياة إلى قرى جبل الحص، ومازال الحلم مستمراً ببناء قرى أنموذجية.
صعوبات التسويق
أما عن أماكن عرض المنتجات فتُعرض في أماكن متعدّدة في دمشق وحلب، لكن الصعوبة بالتسويق الداخلي والخارجي نتيجة الحصار الجائر على سورية، كما ذكرت فيبار، فالوضع الاقتصادي الصعب أثر على جميع شرائح الشعب السوري حتى الذين يعيشون ببحبوحة، لذلك انخفضت المبيعات واقتصرت على نسبة ضئيلة، إضافة إلى مساهمة بعض المغتربين الذين يزورون سورية ويودون الحصول على تذكار.
الشعب السوري ذكي
وفي مجال التسويق الخارجي، تتمنى فيبر أن يتمّ التسويق إلى الصين وروسيا والدول الصديقة، لكن توجد صعوبات أيضاً لأنهم يحاولون بالحصار خنق الشعب السوري، فعقبت: إلا أنني أؤمن بأن الشعب السوري ذكي ويجد حلولاً لكل الأزمات، وفي النهاية أغلب الشعوب مع سورية لأنها مع السلام وضد الحرب، وأمنيتي ألا يشارك أحد بالحروب التي تدمّر الأرض والإنسان.
ملده شويكاني