“المثالية” كغطاء لتحقيق المصالح… واشنطن إمبراطورية الأكاذيب
البعث الأسبوعية- عناية ناصر
بدءاً من تمويل مراكز الأبحاث والعلماء، إلى كتابة تقارير مزيفة وكاذبة، وتضخيم الموضوعات ذات الصلة في وسائل الإعلام، وتدخل السياسيين الأمريكيين، تسن الحكومة الأمريكية قوانين تشوه بشكل مقصود الدول التي لا تتوافق مع سياساتها.
وفي إطار إتقانها لفبركة معلومات مضللة، أعلنت الولايات المتحدة في 27 نيسان الماضي عن إنشاء مجلس إدارة المعلومات المضللة التابع لوزارة الأمن الداخلي الأمريكية، إلا أنه تم إغلاق المجلس بعد ثلاثة أسابيع فقط من إثارة مخاوف جدّية، ولا سيما وأن الإدارة الأمريكية هي الموزع الأساسي للمعلومات المضللة، حيث أشار الكاتب الألماني مايكل لودرز في كتابه “القوة العظمى المنافقة” إلى أن حكومة الولايات المتحدة بارعة جداً في انتقاء وتشويه الحقائق، والحد من مصدر المعلومات، واستقطاب الرأي العام.
وفي هذا الإطار قال لو شيانغ، الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، لصحيفة غلوبال تايمز: “تعتبر الدعاية واسعة النطاق جزءاً مهماً من استراتيجية الولايات المتحدة العالمية لتأسيس هيمنتها العالمية والحفاظ عليها وترسيخها، وقد تم تسريع إستراتيجية الاتصالات الخارجية الأمريكية المؤسسية بعد الحرب العالمية الثانية “.
أنواع الدعاية الأمريكية
في عام 1951، أنشأت الإدارة الأمريكية “مجلس الإستراتيجية النفسية ، وهو لجنة تتألف من وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، ووكالة المخابرات المركزية. وفي عام 1953، تم تشكيل “مجلس تنسيق العمليات” تحت قيادة مجلس الأمن القومي لاقتراح المزيد من المعلومات، وبرامج الحرب النفسية للحكومة الأمريكية بعد إلغاء “مجلس الإستراتيجية النفسية”. في عام 1961، ألغى الرئيس الأمريكي السابق كينيدي
“مجلس تنسيق العمليات” لأنه كان يعتقد أن الحروب السرية لا ينبغي أن يشرف عليها العديد من المسؤولين بشكل علني. و منذ ذلك الحين، أصبحت الوكالة المسؤولة عن الحرب النفسية لغزاً.
ومع ذلك، استناداً إلى المواد ذات الصلة التي تم تحليلها ووثائق الحكومة الأمريكية، لا يزال بالإمكان التوصل إلى فهم واسع لكيفية قيام الولايات المتحدة بإدارة المعلومات والحرب النفسية في الخارج، وفقاً لما قاله لو شيانغ، مشيراً في مقابلته مع صحيفة “غلوبال تايمز” إلى أنه بعد أكثر من قرن، شكلت الولايات المتحدة مجموعة كاملة من آليات الاتصالات الدولية. أي، يقود مجلس الأمن القومي التعاون بين الإدارات لإجراء عمليات اتصالات سرية أو علنية، وقد استخدموا “المثالية” كغطاء لتحقيق مصالحهم “الواقعية” في عمليات الكشف عن اتصالاتهم الدولية. وهذا الاتصال الاستراتيجي،يساعد، إلى حد كبير، في الحفاظ على الهيمنة الأمريكية العالمية.
ووفقاً لـ لو شيانغ فإن السمة المهمة للتواصل الوطني والدولي في الولايات المتحدة هي أنها تسعى وراء ” الفكر الأيديولوجي”، و “المعلومات المُسلَّحة”. بمعنى أن جميع الرسائل المنقولة يجب أن تخدم المصالح والأهداف الاستراتيجية القومية للولايات المتحدة. وصنف لو شيانغ ثلاثة أنواع من الدعاية التي تتبناها الولايات المتحدة في اتصالاتها الاستراتيجية:
- تشير الدعاية “البيضاء” إلى الدعاية القائمة على الأنشطة العامة للحكومة، بما في ذلك الدبلوماسية العامة التي تقودها وزارة الخارجية الأمريكية، ووسائل الإعلام المملوكة للدولة التي تمثلها وكالة “صوت أمريكا” الإعلامية.
- أما الدعاية “السوداء” فتشير إلى الأنشطة الدعائية التي تتم من خلال العمل السري، حيث تندرج العديد من الأنشطة الدعائية التي تقوم بها وكالة المخابرات المركزية، ووزارة الدفاع، ووكالات أخرى في هذه الفئة، والتي تشمل عدداً كبيراً من أنشطة التسلل مثل السيطرة السرية على وسائل الإعلام المحلية والأجنبية وشراء السياسيين. ولدى وكالة المخابرات المركزية تاريخ طويل في التلاعب بوسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم لأغراض دعائية سرية. ووفقاً لمقال نُشر في صحيفة “نيويورك تايمز” عام 1977، فإن العشرات من المطبوعات باللغات الإنكليزية والأجنبية كانت مملوكة أو مدعومة من قبل وكالة المخابرات المركزية على مدى العقود الثلاثة الماضية. و لتشكيل الرأي العام العالمي، كانت وكالة المخابرات المركزية قادرة على استدعاء العديد من المنافذ الإخبارية في حملتها الدعائية العالمية. وقد اعترف بعض مسؤوليها لصحيفة “نيويورك تايمز” بأنهم قلقون بشأن إمكانية “رد الفعل” – أي – قد يتم التقاط بعض المعلومات المضللة أو الكاذبة الصريحة التي نشرتها وكالة المخابرات المركزية في الخارج من قبل المراسلين الأمريكيين في الخارج و المدرجة في إرسالياتهم إلى وسائل الإعلام في الداخل الأمريكي.
- بينما تشير الدعاية “الرمادية” إلى إشراك “قادة الرأي” والعاملين في صناعة الإعلام في البلدان ذات الصلة للعمل كمتحدثين باسم المصالح الأمريكية عن طريق الرشاوى والإغراءات من وراء الكواليس، وذلك لتعزيز مصالح الولايات المتحدة و التأثير على قرارات الحكومات ذات الصلة. ووفقاً لصحيفة “لوس أنجلوس تايمز”، دفع الجيش الأمريكي، في عام 2005، سراً لصحف في العراق لنشر قصص كتبها جنود عمليات المعلومات العسكرية الأمريكية بمساعدة أحد المتعاقدين العسكريين من أجل “تلميع صورة المهمة الأمريكية في العراق”. تم دفع ما يقرب من 1500 دولار، لإحدى الصحف العربية لنشر مقال بعنوان “المزيد من الأموال تذهب لتنمية العراق”. وكشفت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” أيضاً أن البنتاغون قد تعاقد مع شركة مقرها واشنطن تدعى مجموعة “لينكولن” لترسيخ هذه القصص.
يقول لو شيانغ: “إن الدعاية الرمادية، والدعاية السوداء يتم تنفيذها في الغالب من قبل وكالات بما في ذلك وكالة المخابرات المركزية ووزارة الدفاع الأمريكية ومن الصعب الكشف عن سرية هذه الخطط”. وقدر الباحث لوش جونسون أن 40٪ من العمليات السرية لوكالة المخابرات المركزية هي برامج دعائية. وأضاف : “مهما كانت السياسات أو الشعارات الخارجية التي كان يروجها البيت الأبيض، فمن المرجح أن تقدم وكالة المخابرات المركزية هذه الأفكار نفسها من خلال قنواتها السرية”.
ضرر الولايات المتحدة على العالم
يقول السفير الكوبي لدى الصين كارلوس ميغيل بيريرا إن حملات زعزعة الاستقرار وبرامج التخريب التي تشنها الحكومة الأمريكية ضد كوبا ليست بالأمر الجديد، حيث طلبت إدارة جو بايدن في عام 2021 من الكونغرس 20 مليون دولار لما يسمى ببرامج “الديمقراطية في كوبا”، ونحو 13 مليون دولار للبث الإذاعي والتلفزيوني غير القانوني. وقال بيريرا إنه في عام 2021، منحت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الفيدرالية- وكالة تابعة لحكومة الولايات المتحدة الفيدرالية- أكثر من 6.6 مليون دولار في شهر أيلول الماضي وحده لـ 12 منظمة في فلوريدا وواشنطن ومدريد مخصصة للحملة ضد كوبا.
ومن عام 1996 إلى عام 2021، خصص الكونغرس الأمريكي حوالي 404 ملايين دولار لبرامج الديمقراطية المفترضة بموجب قانون هيلمز-بيرتون ، وهو قانون يسعى إلى فرض عقوبات دولية ضد حكومة كاسترو. وبالمثل، بين عامي 1984 و 2021، خصص الكونغرس الأمريكي ما يقرب من 945 مليون دولار للبث غير القانوني على محطة راديو تلفزيون مارتي، وهي محطة إذاعية دولية وتلفزيونية أمريكية مقرها في ميامي- فلوريدا وبتمويل من الحكومة الفيدرالية الأمريكية والتي تنقل الأخبار إلى كوبا.
باختصار، كلما زادت الأكاذيب التي تقولها الإدارة الأمريكية، كلما زاد الضرر الذي يلحق بسمعتها وعجز مصداقيتها، ولذلك على الولايات المتحدة أن تكف عن تلفيق ونشر المعلومات الكاذبة، والتوقف عن الاعتزاز بكونها “إمبراطورية الأكاذيب”.