دراساتصحيفة البعث

انتصار تاريخي لليسار في كولومبيا

هيفاء علي

حقّق غوستاف بيترو، مرشح اليسار من حزب “الميثاق التاريخي”، فوزاً تاريخياً في الانتخابات الرئاسية التي جرت في كولومبيا بعد حصوله على 50،51 من الأصوات، وبذلك يعتبر فوزه استثنائياً لجهة أنه سيكون له إسقاطات على الصعيد المحلي والقاري لعدة أسباب:

أولاً: أنه حدث تاريخي في بلد يخضع منذ عقود لسلطة أحد أشرس أحزاب اليمين وأكثرها تعطشاً للدماء في أمريكا اللاتينية، لذلك كان على مرشحي “الميثاق التاريخي” أن يقاتلوا ضد مؤسّسة تسيطر على كافة مقاليد السلطة في كولومبيا، ونجحوا في إلحاق الهزيمة بها.

ثانياً: هو انتصار للتوقعات القارية، لأنه يعيد تأكيد رياح التغيير التي استعادت قوتها في المنطقة مع انتخاب أندريس مانويل لوبيز أوبرادور في المكسيك عام 2020، ومن ثم تلاه فوز ألبرتو فرنانديز في الأرجنتين، وإيغو موراليس في بوليفيا الذي تمّ إحباط فوزه نتيجة مؤامرة حاكتها منظمة الدول الأمريكية والبيت الأبيض واليمين البوليفي الفاشي. ولكن مع انتصار لويس آرس عام 2020، تمّ استئناف المسار الذي تمّ التخلي عنه مؤقتاً بسبب الانقلاب، وبعد ذلك حصلت انتصارات دانيال أورتيغا في نيكاراغوا، وبيدرو كاستيلو في البيرو، وزيومارا كاسترو في هندوراس، وغابرييلبوريتش في تشيلي. وعلى هذه الخلفية الواعدة، ستنطلق المعركة الكبرى للانتخابات الرئاسية في البرازيل في تشرين الأول المقبل، حيث تشير المؤشرات الى احتمال فوز لويس أغناسيو لولا دي سيلفا.

إن التاريخ المأساوي لكولومبيا يدعو إلى توخي الحذر، فمن المفترض أن يتولّى بيترو منصبه في 7 آب القادم، وهو تاريخ ذكرى معركة “بوياكا”، لذلك يُخشى من وقوع اغتيالات، أو إثارة اضطرابات، أو تنفيذ مخططات مصمّمة للتحايل على رغبة الشعب، وسرقة نتائج الانتخابات، خاصةً وأن تاريخ كولومبيا حافل بالأمثلة على ذلك.

ففي بلد مثل كولومبيا، التي ابتُليت بسلسلة من حكومات المخدرات، التي شكلت تحالفاً قوياً بين الجماعات شبه العسكرية، وجماعات تهريب المخدرات، وجهاز أمن الدولة، لن يكون من المفاجئ أن تجد قطاعات يمينية متطرفة مستعدة للقيام بأي شيء لمنع غوستاف بيترو من تولي منصبه، وإذا لم تتمكّن من ذلك، فقد تلجأ إلى تقييد صلاحياته حتى لا يتمكّن من الحكم، ذلك أنه من الناحية الاجتماعية والسياسية، أصبحت كولومبيا في السنوات الأخيرة محمية أمريكية، حيث تتمركز على أراضيها ما لا يقلّ عن سبع قواعد عسكرية أمريكية. لذلك يجب أن يكون “الميثاق التاريخي” أكثر يقظة لمنع اليمين الكولومبي القوي من سرقة انتصاره، لأن هذا اليمين يسيطر على الثروة، وقطاع القضاء، وعلى وسائل الإعلام الكبرى، ويحظى بدعم أنصاره المقيمين في واشنطن.

من هنا لا يظنّ أعضاء وأنصار حزب “الميثاق التاريخي” أن المهمّة قد أنجزت، وهذا هو السبب الذي دفع غوستاف بيترو إلى التغريد على تويتر بالقول: “إن اليوم هو يوم الساحات والشوارع”.