التخطيط لعلاج الاقتصاد المنهك؟
علي بلال قاسم
لأن التخطيط يشكل العمود الفقري الذي تبنى عليه الاقتصادات، فإن الفرز بين ما هو مركزي أو تأشيري يفسر تلك الأهمية التي تتموضع عليها الأدوات الفاعلة في صياغة البرامج والسياسات والمشروعات، استثمارية كانت أم مالية أم فنية وحتى تعاونية مع الآخرين. وهذا ما انبرت إليه هيئة التخطيط والتعاون الدولي، والتي ولدت من رحم هيئة التخطيط الدولي، واشتغلت وانشغلت لعقود في مسؤوليات جعلتها في خانة المطبخ الذي يطهو على نار هادئة أهم الملفات، إن كانت من العيار الثقيل “خطط خمسية” أو على مستوى اتفاقيات مع دول، ولإقرار مشروعات تخص الوزارات والمؤسسات، وما اصطلح على تسميته بالخطط التنفيذية لشهور أو سنوات.
اليوم، يبدو أن نجم هذه الجهة قد خبا في ضوء التحييد الذي تمارسه الحكومة، أو بعض الوزارات للهيئة التي تمتلك بكوادرها وخبراتها الكفاءات العلمية والعملية المهمة، والتي استطاعت أن تنجز بالتعاون مع الجهات كافة “خمسيات” على مستوى دولة. ولسنا هنا بصدد توصيفها وتقييمها من حيث نجحت أم أخفقت، بل ثمة ما يدعو للتوقف أمام تغييب غير معروف المصدر، لاسيما أننا كإعلام عاصرنا مرحلة ذهبية كانت أنشطة الهيئة وندواتها وحراكها وتفاعلها لا تتوقف، ففي اليوم الواحد كانت تتزاحم البرامج والمؤتمرات وتكثر الاتفاقيات.
وكيلا نكون مجحفين فإن الظروف التي تمر بها البلاد أوقفت الشق الدولي والخارجي، ولكن، محليا، متفقون على حقيقة التغييب الذي تتعرض له الهيئة، إذ أثبتت الوقائع أن بعض الوزارات يتناسى دور الهيئة ويغفل أولوية التشاور وأخذ الرأي في المشروعات والبرامج؛ ولو تم الأمر، فمن باب ذر الرماد في العيون حيث يبقى المقترح المزيّل حبراً على ورق لتنسف الجهة المرسلة الخبرة المدونة والعمل وفق ما ترتئية الوزارة ووزيرها.
تفرض الغيرية على هذه المؤسسة، العريقة في صناعة وصياغة الحواضن التشريعية والتخطيطية للدولة، أن نعيد الروح إلى أدائها وممارسة مسؤولياتها الكبرى لتكون فاعلة في صياغة مستقبل مرسوم بالورقة والقلم وتمثله الخطط الخمسية، والتي تعد حاضرة في أولويات الأداء الحكومي، ما يتطلب تضافر الجهود لإعداد هذه الخارطة التأشيرية المهمة، والتي تشكل بوصلة أعمال ومنجزات الجهات والتي يجب على أساسها محاسبة وتقييم الأداء لجهة التنفيذ والتطبيق من عدمه. وهذا ما كان يحصل عندما كانت الهيئة تستنفر طاقاتها لمتابعة آليات وقنوات تنفيذ الخطط، حيث كان الاعلام شاهداً على جلسات الاستجواب المؤسساتية التي تتعرض لها الوزارات والمحافظات من أعلى هرمها الإداري إلى أصغر موظف في مديريات التخطيط بالمؤسسات والدوائر.
بكل الأحوال، هناك ما يدعو لإعادة النظر بدور وعمل هذه الهيئة، ومن المهم أيضاً ربط دوائر التخطيط الصغرى بهيئة التخطيط، أسوة بصنيعة وزارة التنمية الإدارية، وكذلك وزارة المالية التي تندب محاسبي الإدارات المعينين لصالحها إلى الوزارات ويقومون بدورهم المنوط بهم.
فهل تفعلها الحكومة وتنفض الغبار عن دور هيئة التخطيط والتعاون الدولي، وتعيد لها المكانة التي تستحق ويستحقها الاقتصاد المنهك هذه الأيام؟