نملك 5% من الحصادات اللازمة للقمح فقط… “تقليدية” قطاعنا الزراعي تهدد قدرته على المنافسة والإنتاج؟
دمشق – ريم ربيع
ليست التشريعات ولا المخاطر أو ضعف الطلب هي التي تحد من تطوير المكننة الزراعية واستيراد ما وصل إليه العالم من تقنيات حديثة، بل تشكّل التكلفة المادية الباهظة لهذه التقنيات أحد أبرز أسباب ندرتها محلياً وعدم التوسع باستخدامها، إذ تعوّل الحكومة على القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال أمام أولويات أخرى تنشغل بتأمينها، فيما يتخوّف الأخير من مصير الآلات التي سيستوردها إن كان لا يوجد فلاح قادر على شرائها بمفرده، ما أبقى الاعتماد على الموجود من آليات قديمة وقليلة تظهر مشاكلها مع كل موسم.
تهديد
التقليدية التي ما زالت سائدة في القطاع الزراعي باتت تشكّل تهديداً على مستوى المنافسة والالتزام بالعقود التصديرية بمواعيدها المحددة، ومطابقة المواصفات الجديدة التي تطلبها الدول الأخرى، فضلاً عن الهدر الكبير في الموارد البشرية والمادية، بدءاً من حراثة الأرض، وصولاً إلى القطاف الذي أصبح آلياً في معظم الدول، بينما يتم محلياً إما بآليات قديمة أو يدوياً، حيث بيّن الخبير في الاقتصاد الزراعي مهند الأصفر أن تنوع المحاصيل في سورية يحتاج مكننة حقيقية، فالأهم اليوم هو الحصول على منتج آمن وسريع بالحصاد لنستمر في المنافسة.
وبيّن الأصفر أن التقنيات الحديثة كتلة متكاملة يجب أن تدخل على كل المنظومة الزراعية، وأهمها تقنيات الجني والحصاد التي تضمن الحصول على المنتج بالوقت المناسب، فاليوم مثلاً نزرع ملايين الهكتارات من القمح ولا نملك سوى 5% من الحصادات اللازمة لها، ما يؤخر حصاد القمح، ويقلل الوزن النوعي للحبة، كذلك يؤخر غياب التقنيات قطاف الشوندر السكري، ما يخفف نسبة حلاوته مع الزمن.
مقبولة
أما رئيس اتحاد غرف الزراعة محمد كشتو فرأى أنه يمكن تصنيفنا بدرجة مقبولة لجهة التقنيات، حيث توجد جوانب عدة مضيئة كالمنافسة ببعض المحاصيل، في مقدمتها البطاطا والبندورة في الأسواق المجاورة، لكن أكبر مشكلاتنا تقع في مرحلة ما بعد الحصاد كالتوضيب والفرز والتسويق، لذلك لا يحقق المزارع العائد المتوقع، موضحاً أن المكننة الزراعية حققت قفزات كبيرة في العالم خلال السنوات العشر الأخيرة، منها ما هو موجود في سورية، ومنها غير موجود، فمثلاً لدينا إنفاق كبير على قلع البطاطا الذي يتم بشكل يدوي، فيما بدأت معظم الدول بالقلع آلياً، إلا أنه في المقابل توجد بعض الآليات الحديثة التي يصعب استخدامها محلياً لأنها تحتاج مساحات واسعة من الأراضي، والمعروف لدينا أن الحيازات صغيرة، وتفتت الملكية يحد من استخدامها.
فجوة تقنية
وبحسب كشتو فقد كانت سورية قبل الحرب مواكبة للزراعة في العالم إلى حد ما، ولكن بعد 2011 أجبرنا على الانقطاع عن العالم، وغبنا عن مواكبة الحداثة التقنية، فلوحظ تشكّل فجوة في بعض الجوانب، مؤكداً أن استخدام التقنيات يخفض التكاليف، ويحسن جودة المنتج، ويستغل الأرض بشكل أفضل، ويحد من الهدر في الموارد، كما يحقق الاستفادة من المياه المتاحة دون هدر عبر التحول لأساليب الري الحديث الذي يتطلب وجود تقانات أكثر انتشاراً عبر خطة لتحويل كل الأراضي لهذه الطريقة بالري، لاسيما في ظل شح المياه.
وفي هذا السياق بيّن الأصفر أن مشروع التحول للري الحديث حقق نتائج هامة، ولكن على مساحات صغيرة، أما المحاصيل الممتدة على مساحة واسعة، وفي مقدمتها القمح، فلم تتحول بعد للري الحديث كون الفلاح غير قادر على شراء جهاز ري محوري، وهنا تكمن ضرورة التعاون بين المصرف الزراعي واتحاد الفلاحين لتقاسم التكلفة، وتخفيف العبء على الفلاح.
فرصة مغرية
وبالنسبة للمكننة الحديثة، الحل برأي الأصفر إما أن تستورد الحكومة وتقدم للفلاحين، أو دعم المصرف الزراعي لتكون لديه اعتمادات للاستيراد، أو أن يقوم القطاع الخاص بالاستيراد بالتشاركية مع المصرف الزراعي، لافتاً إلى ما طرح في اللقاء الذي جمع المستثمرين مع وزير الزراعة منذ أيام من فرصة استثمارية وجدتها بعض الشركات “مغرية” لتأمين الآليات الحديثة عبر إقامة مراكز أو تجمعات للآلات الزراعية، ويتم تأجيرها للفلاحين بأسعار محددة باعتبار فكرة شرائها “شبه مستحيلة”، إذ سجلت تجارب فردية عدة لاستيراد الجرارات من عدة شركات، لكنها لم تستمر لأن سعر الجرار مرتفع جداً.
شروط خاصة
رئيس اتحاد غرف الزراعة أشار إلى أن معظم صادراتنا الزراعية التي تشكّل 65% من مجمل الصادرات هي للدول المجاورة، فالأسواق العالمية لا تصلها المنتجات السورية بسبب الشروط الخاصة التي تطلبها، باستثناء المحاصيل الطبية والعطرية الحاضرة في أهم الأسواق، لذلك أصبحت الحاجة للتقنيات الحديثة، ومن بينها الأنواع الجديدة في الأسمدة، أكثر أهمية لتحقيق الوصول والمنافسة.
وبالنسبة للمسؤوليات، أضاف كشتو، من واجب الحكومة وضع التشريعات المشجعة لإدخال التقنيات والاستثمار، وهي لم تقصّر بذلك، ولم تضع عراقيل، أما القطاع الخاص فهو يسعى لتحقيق مصالحه، لذلك يدرس السوق أولاً، ويرى إمكانية تصريف المنتج قبل أن يبادر، موضحاً أن قانون الاستثمار يعتبر عصرياً ومتطوراً، ولكن توجد قرارات ناظمة تصدر بعد القوانين، منها ما يحتاج تحديث أو إضافة مواد إليها، مثلاً: يجب إيجاد تشريع ناظم للزراعة التعاقدية، كما يوجد تقصير في إصدار تشريع ناظم للسجل الزراعي لتطوير الزراعة ومأسستها.
حلقة مفقودة
هنا، اعتبر الخبير الزراعي مهند الأصفر أن التشبيك بين الحكومة والقطاع الخاص توجد فيه حلقة مفقودة، فتطوير الزراعة يتطلب جهداً حكومياً وخاصاً مع اتحاد الفلاحين وغرف الزراعة والمصرف الزراعي، وإيجاد حلول مناسبة لمشكلات المستثمرين، لاسيما فيما يتعلق بالمحروقات، أو حتى بالأراضي المخصصة للاستثمار، فأملاك الدولة المعروضة للاستثمار الزراعي بعيدة عن المراكز الحيوية، وهي بغالبها أراض صخرية يحتاج صاحب المشروع مبالغ طائلة قد تعادل قيمة المشروع لتجهيزها والوصول إليها.
وأشار الأصفر إلى ضرورة نشر الوعي لاستخدام التقنيات في الأسمدة والري والقطاف، ما يفيد بالالتزام بموعد التصدير، إذ تطلب بعض الدول منتجاً ما بوقت محدد وكمية محددة، وهو ما لا ينجح في ظل التقليدية السائدة، ويهدد بخسارة العقود التصديرية.