“إصدار” تستضيف عيد الدرويش حول الأساطير والتصوف والأخلاق
بدأ ملهم الصالح جلسة إصدار في المركز الثقافي في كفر سوسة من الوجه الآخر للكاتب عيد الدرويش، فهو ليس كاتباً فقط، وإنما تشكيلي أيضاً، استلم إدارة مركز الفنون الجميلة في الرقة، المركز العريق الذي انطلق منه طلال معلا وموفق فرزات وجورج شمعون وسالم عكاوي وغيرهم، وفي منتصف الثمانينيات امتهن مهنة الإعلان والخطّ، ومن ثم صمّم كل أغلفة كتبه، متوقفاً عند كتابه “أساطير الشرق” الصادر عن دار توتول والذي يرتكز بالدراسة على ثيمتين: “الخلق والخلود في الأساطير” وليس عن الأسطورة بحدّ ذاتها، فاقترب بالبحث والتحليل من عالم الأسطورة التي تعدّ جزءاً من الفلكلور، وقد وظّفها الأدباء في قصائدهم ورواياتهم، ولاسيما في الزمن المعاصر.
وتابع الصالح أن الدرويش يركز على أن نشوء الأخلاق مترافق مع الإنسان وكأنهما صنوان، فالناس بين حدّين من الأخلاق، إما وضيعة دوافعها عضوية، وإما سامية دوافعها مثالية.
الأخلاق قبل التصوف
الدرويش أوضح أنه في كتبه عامة يبحث عن موضوعات إشكالية ولا ينتهج الحشو بمؤلفاته، وحينما بحث بالتصوف الإسلامي، رأى أنه ينسب إلى ما جاء من الهند ومن الشرق ووصل إلى الإسلام، متابعاً: “ما دعاني للتعمق بدراسة الديانات الوضعية والأديان السماوية، فصار العنوان لديّ فلسفة التصوف في الأديان، فالتقطتُ جزءاً آخر وهو الأخلاق، ففي الصورة الأخرى للتصوف الأخلاق، والأخلاق تكون قبل أن يكون التصوف الذي يعدّ من الصفوة والصفاء، ولا يمكن للإنسان أن يصل إلى هذه الدرجة إلا بالتجلي والتحلي والتخلي، التخلي عن المذموم والتحلي بما هو إيجابي، والتجلي لأن روح الإنسان تتجلّى مع الخالق وفق نظرية الفيض عند ابن سينا، فحاولتُ جمع هذه الثلاثية ومنحت الفرصة للقارئ ليفكر”.
الأسطورة والمخيال
ثم انتقل إلى مسألة العقل والنقل التي تعرّضت للجدال في الثمانينيات والتسعينيات، والنقل ما هو منقول ابتداءً من القرآن الكريم إلى الموروث، أما العقل فهو الذي أنتج النقل ماعدا الكتب الإلهية، وبالتالي هو قادر على أن يفعل شيئاً، فخلق الأسطورة التي كانت من المخيال حقق النظم والأخلاق والحضارات لكنه بدأ يبحث عن الخلود، ففي أسطورة الفراعنة قيل إنهم اعتنوا بقبورهم أكثر من منازلهم لذلك نرى الأهرامات لمعرفتهم بالحياة الأخرى التي يقدسونها، كما يقدسون الحياة، وهذا قادهم إلى التحنيط وإلى سرّ الخلطة الذي بقي غير معروف حتى الآن، بينما في الرافدين وجدت أسطورة جلجامش التي تعدّ من أمتع الملاحم التي وجدت على وجه التاريخ لما فيها من تنسيق، فهذه الملحمة شملت جوانب حياة الناس الرافدية. ليتوقف الدرويش عند الانتقال إلى الحياة المدنية، وهذا ما فعلته عشتار حينما استمالت جلجامش.
ومضى الدرويش بالسرد عن الأسطورة في أوغاريت وفي بلاد فارس والديانة الزرادشتية ليتوقف عند الفلسفة الصينية عند كونفوش، إذ كانوا يكتبون تعاليمه الأخلاقية على شرائح من الخشب، ومن بعض ماقاله “إذا كثُرت الأسلحة ازدادت الحروب، وإذا زادت القوانين زاد الفساد”، ثم جاء تشين بعده ونشر العدل بعد أن رأى من في السجون. وتابع عن الهندوس والتقمّص وحرق الأجساد بعد الموت ثم اليابان وصلة الوصل بين السماء والأرض بقوس قزح.
الخرافة والأسطورة
المحور الثاني بسؤال الصالح عن الاختلاف بين الخرافة والأسطورة التي وصلت إلى القداسة في بعض الحضارات؟.. فعقب الدرويش بأن الأسطورة تأتي بأشياء طقسية تجمع عليها مجموعة من البشر والمجتمعات خلدوا مع هذا الترتيب لفترة زمنية طويلة، ويدخل ضمنها ميثيولوجيا وعبادات وحكم وطقوس، أما الخرافة فتروى من الحكايات التي يمكن أن تلامس الجن ومن الممكن تكون كذبة، فالخيال الموجود في الأسطورة يلامس ما يعتقده الناس وهو جزء من الحقيقة، بينما الخيال بالخرافة يسبح للترويح عن الإنسان كي يعيش في الخيال. كما نوقشت مقدسات مشتركة بين الأساطير الإغريقية والشرقية مثل سر الماء والطوفان، ومسألة الحرمان في أساطير الرافدين.
مفاتيح للقارئ
ليخلص الكاتب إلى أنه لم يجد مؤلفاً يتحدث عن الخلق والخلود، متابعاً: فبحثتُ من خلال الأساطير عن هاتين الثيمتين لأضع أمام القارئ أشياء جديدة، ولتكون مفاتيح لأنني إذا أغلقتها أكون وصلت إلى الكمال، وهذا محال، وأنا أنحاز إلى الشرق حتى أبيّن تفكير الإنسان الشرقي في هذه الحضارات.
استفسارات؟؟
وأشار الصالح إلى غياب بعض الأسماء من المصادر مثل فرويد ود. فراس السواح وكرم البستاني، وبعض إشكاليات الكتابة التي وردت بالكتاب، منها تداخل العناوين الفرعية مع العناوين الرئيسية دون اختلاف بنوعية الخطّ، تكرار بعض الأفكار مثل الفكرة التي وردت في ص 15 حول تفسير الفراعنة لفيضان النيل، تكرّرت ذاتها في ص 65، وفكرة وردت في غير سياقها، ففي ص 136 يمضي السرد عن بلاد فارس لتتجه نحو بلاد الهندوس بفقرة أخرى عن براهما. فبيّن الدرويش أنه ليس ضد أية فكرة تدعم بحثه، لكنه لم يجد ما يبحث عنه في دراساتهم.
كما سأله الصالح: لماذا لم تقترب من عوالم القوقاز والبحر الأسود واليمن؟ فأجاب: اعتمدتُ على الأساطير الأكثر إشعاعاً بثيمتي الخلق والخلود، كعينة من أساطير الشرق.
يُذكر أن عيد الدرويش شغل مناصب متعدّدة، وأصدر كتباً عدة، منها: “الإمام الغزالي بين العقل والنقل”، و”فلسفة التصوف في الأديان”، و”سيكولوجيا الثقافة والأخلاق في فلسفات الشرق”.
ملده شويكاني