الزيف في حديث “باربرا ليف”
أحمد حسن
باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، قالت، بداية الشهر الحالي، في جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي حول الوضع في سورية، “إن مساعي وزارتها تهدف إلى تحسين ظروف السوريين”، وإن “توسيع وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء سورية أمر محوري للاستراتيجية الأميركية”!!.
وإذا كان لنا أن نتجاهل اللهجة الوصائية، والاستعلائية، التي استُخدمت من جميع الأطراف الحاضرة لهذا الاجتماع، فلا يمكن أن نتجاهل حقيقتين بالغتي الوضوح، أولهما أن الاجتماع، بطبيعته وبنوعية الحاضرين فيه، كان جزءاً من مخطط أوسع لشرعنة وإدامة الاحتلال الأمريكي، وأتباعه، لجزء من سورية بغلاف إنساني، أما الحقيقة الثانية – وهي ضرورية لتمكين الأولى – تتمثّل بكمية الزيف والنفاق في حديث السيدة “المساعدة” والذي يتناقض كلياً مع ما يحدث على أرض الواقع ليس منذ عام 2011 وبدء الأزمة الحالية في سورية فقط، بل ومنذ زمن طويل كانت إحدى محطاته الكبرى عام 2003 مع احتلال العراق ورفض دمشق حينها لإنذار “باول” الشهير.
الأدهى من ذلك أن هذا “الحديث” يتعارض أيضاً مع الخطاب الرسمي الأمريكي الذي يجاهر بحصار سورية ويهدد كل من يحاول اختراقه ويرفض رفضاً قاطعاً كل محاولات وطروحات البعض للإسهام في التعافي الاقتصادي المطروحة على الطاولة، بل وينكر تعهداته السابقة للطرف الروسي بشأنها، في الوقت الذي يستمر فيه، وعلناً، بسرقة مقدرات السوريين وثرواتهم الاقتصادية من قمح ونفط، ودعم أطراف انفصالية في بعض جغرافيتهم.
وبالطبع فإن الجريمة الأمريكية التي تحاول السيدة “المساعدة” تغطيتها بكلام منمق حول “محورية مساعدة السوريين في الاستراتيجية الأمريكية”، لا تقتصر على محاصرة مصادر الحياة الطبيعية و”المصنّعة” لهم بل تتجاوزها إلى القضاء على حياتهم ذاتها، فبعد أن رعت، عبر “الكوريدور” التركي، وموّلت، عبر صناديقها المالية في بعض الدول العربية، مجاميع إرهابية من كل دول العالم لقتل السوريين وتدمير اجتماعهم واقتصادهم، تقوم اليوم، بصورة مباشرة، بتجميع بعضهم، وأغلبهم من بقايا تنظيم “داعش” الذي تسعى لرد الروح إليه، في منطقة “التنف” التي اقتطعتها من الجغرافيا السورية بشكل غير شرعي لتكون مقراً لتدريبهم ومنطلقاً لتنفيذ هجمات إرهابية على المدنيين و”المنشآت السورية المدنية ومنها منشآت النفط”.
والحال، فإن الهدف النهائي لكلام السيدة “المساعدة” و”تباكيها” الكاذب على الشعب السوري ليس إلا “رمية” استباقية في سياق معركة “المعابر الإنسانية” التي اقترب أوان تجديدها أممياً، وهي “معابر” لا تريد منها واشنطن سوى أمرين اثنين لا ثالث لهما، أولهما وظيفي بحت ويتمثل بزيادة عددها لدوام استخدامها في إدخال الإرهابيين والأسلحة إلى ميليشياتها المتعددة، سواء الانفصالية منها في شمال شرق سورية، أو المصنفة إرهابية بقرار أممي بات، جبهة النصرة، في شمالها، وثانيهما سياسي أوسع يتمثل بإظهار دمشق كدولة ناقصة السيادة عبر إخضاع بعض هذه المعابر، او أغلبها على وجه الدقة، بحكم جغرافيتها المقترحة، لسلطات أخرى أممية أو إقليمية.
إنه “الزيف” الأمريكي المعهود، والعالم كله أصبح معتاداً عليه، لكنه، وعلى خطورة أهدافه ومراميه النهائية، لا ولن يثني دمشق عن خطاها الواثقة للخروج من هذه السنوات العجاف.. المناورات العسكرية مع الحلفاء بالتوازي مع مشهد قاعات التسويات المفتوحة على امتداد الوطن يقولان الكثير.