في ورشة سوق العمل.. مسؤولية التطوير لا تقع على العامل أو المدير أو الوزير بل على الباحث كونه يفكر خارج الصندوق
دمشق- بشار محي الدين المحمد
بيّن رئيس الجامعة الافتراضية السورية الدكتور خليل عجمي أن اقتصاد المعرفة هو جوهر نجاح البلدان المتطورة، وهذا يطرح التساؤل أين نحن حالياً من هذا الاقتصاد وهل يمكننا ربطه مع سوق العمل..؟، مؤكداً -خلال اليوم الثاني للورشة التخصصية حول تنظيم سوق العمل في سورية لجهة المحددات الجديدة والتحديات التي تواجهه –أن الجامعة الافتراضية نجحت كمؤسسة صغيرة من حيث عدد العاملين (180) عامل، مقابل 40 ألف طالب، إضافة لأعضاء الهيئة التدريسية أن تعمل ضمن مجال اقتصاد المعرفة، وكان من الممكن أن تؤمن إنجازات أكبر في حال تعديل بعض القيود القانونية الناظمة لعملها كجهة عامة، وأشار عجمي إلى أن اقتصاد المعرفة هو أي اقتصاد ينتج منتج معرفي ويحقق الأرباح من بيعه، ويمكن استخدامه في كافة القطاعات الاقتصادية كالصناعة والزراعة، وحتى في الجامعات، وهو اقتصاد يعتمد المعرفة كعنصر أساسي ومن ثم يأتي دور رأس المال بعكس الاقتصاد التقليدي، ووفقاً للعجمي فإن هذا الاقتصاد يحتاج مجموعة ركائز تتألف من جودة التعليم والبنية التحتية البرمجية والاتصالات وتطوير منظومة البحث العلمي ومنظومة الابتكار.
ورداً على ما يثار دائماً في مختلف الفعاليات لجهة عدم امتلاكنا في سورية لإحصائيات دقيقة لنبني ونحلل وفقاً لها وخاصة في سوق العمل، بين رئيس الجامعة الافتراضية أن الإحصائيات موجودة لكنها غير منظمة أو مجمعة لعدم وجود جهة تنظمها، إلا أنها موجودة لدى عدد من الجهات الدولية مثل البنك الدولي الذي جمعها ونظمها عبر منظمات دولية تعمل مع جهاتنا العامة والخاصة، ووفقاً للمؤشرات العالمية فإننا في مرتبة متأخرة من حيث اقتصاد المعرفة، وفي مرتبة دون الوسط من حيث توافر ركائز هذا الاقتصاد كالتعليم، ونفى العجمي أن يكون التعليم المجاني جزء من فاتورة الدعم لأنه بالنهاية هو استثمار، فرغم أن الدولة تنفق على التعليم لكنه يبقى استثمار، مشيراً إلى أن الخلل يكمن بالفشل بجني مخرجات هذا الاستثمار، كما أننا نفتقر لسياسة استيعاب الخريجين فلدينا سياسة تعديل المعدل للسنة التحضيرية فقط بينما يغيب حضور الجامعات في أية اجتماعات نقابية لتحديد حاجات سوق العمل، كما نفى عجمي أن يكون اقتصاد المعرفة ترفاً وأنه يتعارض مع ظروفنا الحالية، مبيناً أن الجوال أصبح يشكل جزء أساسي وكبير من أعمالنا اليومية وهذا أكبر دليل على حاجتنا لهذا الاقتصاد وللتطبيقات الخدمية التي ستسهل حياتنا وأعمالنا وتقدم لنا أكبر قدر من الخدمات، ورداً على طرح آخر قائل بأن هذا الاقتصاد مكلف أكد عجمي أنه فعلاً مكلف ولكن لمرة واحدة عند إنشاء البنى التحتية له، وبعد ذلك فإنه على العكس سيوفر الوقت والجهد والمال، فمثلاً يمكن إجراء فحص قبول للسنة التحضيرية مؤتمت عن طريق الحاسب دون الحاجة لطباعة الأوراق الإمتحانية ونقلها مع الحراسات.
وتابع العجمي لدينا البنية التشريعية المناسبة لاقتصاد المعرفة من خلال قانون التشاركية والذي مازال للأسف بعيداً عن التطبيق، كما أن قانون العقود واحد يعامل جميع الصفقات على أنها واحد، حيث يجب علينا استخدام قانون يحكم بيع القمح على عملية بيع منتج تكنولوجي وهذا أمر غير منطقي.
ولفت العجمي إلى أن جامعاتنا تعاني من”مرض”عدم التمايز، فالمنهاج ذاته موجود في الكليات في المحافظات، بينما يفترض أن يكون لكل جامعة منهاج يميزها ويتوافق مع متطلبات البيئة المحيطة بها، أما الدراسات العليا فهي محكومة باختصاص محدد، فمثلاً لا يوجد لدينا دكتور بالحقوق بالاختصاص السيبراني، أو حتى مهندس ضليع في (إدارة الجودة)، وهذه السلبيات تشكل ثغرة لا يمكن حلها حتى بالتدريب.
وانطلق مدير عام الهيئة العليا للبحث العلمي الدكتور مجد الجمالي من قول السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد”لا يجوز أن نعود بسورية إلى حيث كانت قبل الحرب، بل يجب أن نذهب بها إلى حيث يجب أن تكون في هذا الزمن”، مؤكداً أنه ينبغي علينا مجاراة التطور التكنولوجي الحاصل عالمياً، ونقل المعرفة أو نقل التكنولوجيا لسوق العمل، فمثلاً البحث الذي يقوم به الباحث أو طالب الدراسات العليا يجب أن ينقل إلى المستثمر لتنفيذه وهذا هو جوهر نقل المعرفة، مشيراً إلى أنه تم تأسيس مكتب نقل التقانة وربطه مع مكاتب نقل التقانة في الجامعات، كما تم ربطه مع دائرة بحثية تابعة لمديرية التخطيط والتعاون الدولي في كل وزارة، مشيراً إلى أن التجربة انطلقت مع وزارة الصناعة لنقل المعرفة والأبحاث إلى المؤسسة العامة للإسمنت، والمؤسسة العامة للصناعات النسيجية، وعدد من المشاريع الأخرى، لكننا مع ذلك نعاني من مشكلات مثل قدم الآلات وضعف التكنولوجيا وهذا سيسبب زيادة كلفة المنتج وخروجه من المنافسة في الأسواق المفتوحة والخارجية، في حين يوفر اقتصاد المعرفة والتطوير التكنولوجي للمنتج الصناعي النفقات بنسبة من 40-50%، ويزيد من قدرة المنتج على المنافسة، وضرب مثالاً على ذلك في تمكن الدواء الأردني من المنافسة ضمن الأسواق الكبرى مثل الأسواق الأمريكية.
وفي إجابة على تساؤل من هو المسؤول عن التطوير، نوه الجمالي إلى أن مسؤولية التطوير لا تقع على العامل أو المدير أو الوزير، بل على الباحث لأنه هو الشخص القادر على التفكير خارج الصندوق، فمشكلاتنا وأزماتنا معظمها لا نمطية وغير مسبوقة وبالتالي فهي تحتاج لحلول أيضاً لا نمطية يوفرها الباحث.
عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية الدكتور سامر مصطفى ركز على أهمية بناء العقول قبل أي عنصر آخر من عمليات بناء المهارات المطلوبة للموارد البشرية في سوق العمل، قبل عمليات البناء المادي، مشيراً إلى ضرورة توقع حاجات سوق العمل حتى العام 2030 وإلى توجه الموارد البشرية نحوها، لأن 60% من الوظائف ستختفي في غضون 10 سنوات لتوجد وظائف أخرى بدلاً منها يمكننا التنبؤ بها من خلال المهارات التكنولوجية المطلوبة لاقتصاد المعرفة.
وبين مصطفى أن سوق العمل لدينا يعتمد سواء في القطاع العام و الخاص على جانب المهارات الصعبة للموارد البشرية(الشهادات العملية)، في حين أنه لا يركز على المهارات الشخصية التي تعتمد على التعلم الذاتي والعمل ضمن فريق وغيرها من المتطلبات.