دراساتصحيفة البعث

معايير استطلاعات الرأي.. فرنسا مثالاً

ريا خوري 

بعد انتهاء الانتخابات التشريعية الفرنسية التي نظّمت دورتها الأولى يوم ١٢ حزيران، والثانية التي كانت في الـ١٩ من الشهر نفسه، برز العديد من التساؤلات، منها هل كانت استطلاعات الرأي واقعية، أم أنها مسيّسة حسب الانتماء؟.

لقد أكّدت نتائج الانتخابات، مرة أخرى، أنه لا يمكن الاعتماد، أو الوثوق بتوقعات استطلاعات الرأي، والسبب في ذلك أن الاستطلاعات تُبنى عادة على آراء عينات مختارة بشكل عشوائي، أو قريبة من العشوائية، لكن مهما تنوعت أمزجة وأهواء أفراد هذه العينات وأهدافها، فإنها تظلّ أقل وأضيق من أن تعبّر عن آراء كامل الكتلة الانتخابية المفترضة وتياراتها، كما أن معظم استطلاعات الرأي الفرنسية لم تغُصْ في ما يدور داخل المجتمع من تغيّرات وتحولات عميقة.

على سبيل المثال، توقعت استطلاعات الرأي عشية الانتخابات أن حزب الرئيس إيمانويل ماكرون سيحرز أغلبية، حتى لو لم تكن عالية، وأن ماكرون سيدير القادم من سنوات ولايته الثانية بحرية واطمئنان، لكن تلك الاستطلاعات لم تتوقع أن الحزب اليميني الشعبوي بزعامة مارين لوبن سيحصد ٨٩ مقعداً في البرلمان الجديد، متقدماً بأكثر من ثمانين مقعداً على حصته في دورة البرلمان السابقة التي لم تتجاوز ثمانية مقاعد، ولنا أن نتوقع ما يعنيه هذا الصعود الكبير لحزب ماري لوبن، ليس على صعيد اللحظة الراهنة، وإنما على المستقبل الفرنسي المنظور.

في المقابل، لم تستطع استطلاعات الرأي الإضاءة على أن حياة سياسية جديدة تنشأ وتتطوّر في فرنسا، حيث تراجع اليمين الشعبوي المتطرف بصورته التقليدية بشكل ملموس لمصلحة اليمين الأشد تطرفاً وشعبوية والأقرب إلى الشوفينية القومية المتعصبة، ومثله يتراجع اليسار الفرنسي التقليدي.

لكن ليس اليمين الشعبوي المتطرف، واليسار الفرنسي في صورتهما التقليدية وحدهما من تراجع، بل الأحزاب الوسطية هي الأخرى تواجه، كما تدلّ نتائج هذه الانتخابات، مأزقاً كبيراً. ما يعني بالتالي أن العبرة من ذلك ليست في الوصف الذي يطلقه أي حزب على نفسه، وإنما في طبيعة البرامج السياسية والرؤى التي يطرحها والسياسات التي يهدفها ويسلكها.