“أبعد من نهار”.. توثيق وتأريخ وسيرة ذاتية
كثيرون يجمعون على أن رواية “أبعد من نهار- دفاتر الزفتية” للكاتب أيمن الحسن الصادرة عام 2011 عمل محظوظ، وقد لاقى وما زال اهتماماً نقدياً يليق به، حيث عقد فرع القنيطرة لاتحاد الكتّاب العرب مؤخراً ندوة نقدية حولها بإدارة رئيس الفرع د. جمال أبو سمرة ومشاركة د. غسان غنيم والإعلامي عماد نداف.
حيرة حقيقية
وأشار د. غسان غنيم إلى أن الكاتب الحسن مربك في حياته وأدبه وعطائه، ورواية “أبعد من نهار” عمل يجعل القارئ في حيرة حقيقية في مسألة تجنيسه، فهو نصّ يختلط فيه التاريخي والتسجيلي والرومانطقي، وأحياناً السيرة، بالإضافة إلى الوثائقية، مبيناً أن الكاتب فيها اتجه نحو التوثيق والتأريخ مع إلحاح غير ضروري أحياناً على التوثيق الحرفي الدقيق، وهو وإن كان لا يضير النص الأدبي إلا أن الفضفضة المبالغة لا تغني النص الذي يجب أن يكون محكماً، حيث إن الكلمة التي يمكن الاستغناء عنها يجب ألا توضع، وإلا فالنص برأي غنيم سيتعرّض للهلهلة، موضحاً أن نص الرواية غنيّ، ولكن ما يؤخذ عليه تلك الإضافات الكثيرة التي لا حاجة لها، حيث قدّم فيه الكاتب معلومات معرفية لا حاجة لها: “من غير المسموح إضافات ليست من صلب العمل الأدبي”. وتوقف غنيم كذلك عند العدد الكبير من الشخصيات الموجودة في الرواية، مع إشارته إلى أن الشخصيات المحورية في الرواية قليلة جداً ولا تشكل قمة العمل، وبالتالي فإن غياب بطل أساسي في النص جعل الجميع أبطالاً بنسب متفاوتة، وكلٌّ يسهم بجزء من الأحداث، وهذا يُحسب للنص الروائي الذي كتبه الحسن، منوهاً كذلك بأن جميع شخصيات النص تعاني، فلا توجد شخصية مرتاحة، حيث الشخصيات مأزومة وغير متصالحة مع ذاتها، باستثناءات قليلة، وهذا أمر طبيعي يدلّ على انعكاس البيئة عليها.
مرحلة حاسمة في التاريخ السوري
وبيّن الإعلامي عماد نداف أن رواية “أبعد من نهار” نقلتنا إلى مرحلة صعبة وحاسمة في التاريخ السوري، يمكن وصفها بأنها مرحلة فاصلة بين حربين هما حرب حزيران 1967 وحرب تشرين 1973 وقد كان الكاتب حاضراً بقوة مع شخصياته الكثيرة التي كانت تعيش حياة صعبة، فكان بينها يعيش معها ويرصد معاناتها ويسرد ملحمتها الكبرى، متمرساً في لعبة سردية صعبة وممتعة في آن واحد، موضحاً أن ما فعله الكاتب هو إعادة تكوين المكان متلاحماً مع روح شخصياته ومعاناتها ومأساتها، وهذا يعني أنه سعى جاهداً لبناء ملحمة للمكان، وإن كانت التسجيلية أضرّت بهذا الجانب. وأكد نداف أن الكاتب أتقن استخدام أدواته الفنية للحديث عن حدث وطني كبير هو تحرير القنيطرة، وفي رؤيته لهذا الحدث، وأن من يدقق في روايته يكتشف أن الكاتب يذهب في لعبة الزمن بين الماضي والحاضر لأن المسار الذي يريد الوصول إليه، أي لحظة التحرير لا بد لها أن تعيدنا إلى ما سبق، وهو هنا برأيه يقفز برشاقة بين الأزمنة السوداء والأزمنة البيضاء الذاهبة إلى المستقبل (فلسطين) داعماً الكاتب رؤيته الملحمية للحدث الذي يريد تقديمه كمنجز روائي بصفحات كثيرة من الرواية بما هو تسجيلي، وهي لعبة مفيدة لتمرير رسالة وطنية في النص ولتوطيد فكرة الملحميّة، لكنها برأي نداف كانت فخاً فنياً في السرد الروائي جعلته يستخدم الشعارات أحياناً ويدوّن محاضر إعلامية غير مطلوبة أبداً، وكان يمكن أن يستغني عنها بابتكارات أخرى لم يكن ليعجز عنها، منوهاً بأن الرواية رصدت مسار حياة شخصيات كثيرة كان يربط بينها أكثر من خيط، أولها السارد (الراوي) ثم الصحفي وهو يدوّن مشاهداته، والأهم هو ذاكرة الناس، لذلك كانت شخصياته حيّة واقعية قادرة على تشكيل النماذج الروائية التي يبني عليها الحدث الملحمي الكبير في مكان حقيقي وليس تخييلياً، لأنه يحكي عن القنيطرة وهي المكان الرئيسي، وعن الزفتية كمكان رديف يستكمل جزيئيات الحكاية السردية، مع إشارته إلى أن بطولة المكان تتنافس مع بطولة الحدث الذي هو التحرير. وبيّن نداف أن الرواية اشتغلت على أربعة مستويات دفعة واحدة، الأول سردي خلاق ذهب في أسلوبه باتجاه الانتقال الزمني بين أكثر من مكان وأكثر من زمان، حيثُ يتنقل الحدث والسرد بين القنيطرة والزفتية والفرات، وبين أكثر من زمان، فنتعرّف على الواقع قبل وبعد وأثناء، ثم ذروة الحدث أي التحرير، أما المستوى الثاني فهو التسجيلي من خلال ملاحظات الصحفي في أكثر من محطة، وقد أضرّ جزء من هذا الجانب برأيه بعملية السرد عندما أورد معطيات تاريخية وخطابات سياسية وعناوين تصلح للصحافة، أما المستوى الثالث فهو استخدام أنواع الخط ولونه، فهناك خط عادي وخط مائل وخط غامق، وهذا المستوى يدلّ على أناقة في الأسلوب، أما المستوى الرابع فتقديم معاناة الناس من خلال قصص مدخلة على حياة الشخصيات، نجح الكاتب نجاحاً باهراً في بعضها.
أمينة عباس