التسول.. أداء متثاقل للشؤون الاجتماعية ومؤسسات المجتمع الأهلي “أنين دائم”!
دمشق- بشير فرزان
بات ظاهراً للعيان أينما تجوّلت في شوارع المدينة وساحاتها وأحيائها ذلك المشهد المألوف لأشخاص (كباراً وصغاراً) يفترشون الأرصفة والزوايا ومداخل الأبنية وعلى أدراج الجسور، تراهم يطوفون بهيئتهم الحزينة وحالهم التي يُرثى لها، يستغيثونك الحسنة مهما تكن لتسديد شيء من عوزهم، ويبادلون بالأدعية والتمنيات بالتوفيق والنجاح ما يمكن أن تجود به إمكانيات تلك الكفوف القابضة على جمر الظروف الاقتصادية، ولا شك أن المسألة أكبر من إمكانيات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي تعيد منذ سنوات الإجابات نفسها عن قضية التسول، وهنا لا نعري أداءها المتثاقل أو نتهمها بالتقصير، ولكن نؤكد أن الحلول تحتاج إلى تعاون جديّ بين المجتمع الأهلي الذي تئنّ مؤسّساته من وطأة الواقع المعيشي الصعب بكل ما فيه من ضغوطات، على فاعلية هذه المؤسّسات، وبين المؤسسات الحكومية التي بدورها أضاعت البوصلة في زحمة التحديات.
لدى سؤال العديد من المواطنين عن هذه الظاهرة، أبدى غالبيتهم استياءهم من المتسولين على الرغم من تعاطفهم، وخاصة مع الأطفال، لكنهم اشتكوا من إلحاح المتسولين وملاحقتهم لمسافات طويلة، حتى يضطر المواطن لإعطائهم أي شيء للتخلّص منهم، أو خوفاً من أن تنقلب دعوات المتسولين إلى دعاء حاقد عليه وأسرته. ويقول العديد من المواطنين إن أغلب المتسولين من الرجال يكونون بحالة جسدية جيدة تسمح لهم بالعمل، أياً كان هذا العمل، متسائلين عن الأسباب التي تمنعهم من العمل بدلاً من التسول؟!.
ومن جانب آخر ولدى سؤال عدد من الأطفال المتسولين بالقرب من إشارات المرور وقرب المساجد وفي الحدائق العامة، قال بعضهم إن ذويهم يرغمونهم على التسول واستجداء عطف الناس، وآخرون قالوا إنهم أيتام الأب أو الأم ولا معيل لهم.
الدكتور سمير رستم (علم النفس) أكد أن هناك أشخاصاً يستغلون الأطفال ويدفعونهم للتسول، وهذه الظاهرة في غاية الخطورة، وآثارها تنعكس سلباً على المجتمع وعلى الطفل نفسه لما تلحقه بشخصيته من تشوّه، وتجعله فريسة سهلة للمجرمين الذين يستغلون ظروفه بكل أشكال الانحراف. فلو نظرنا لشريحة الأطفال التي نراها في الشوارع والساحات نجد أن القسم الأكبر منهم إناث ومن مختلف الفئات العمرية، وهنا تكمن الخطورة، حيث إن بقاءهن في الشوارع يعرّضهن للكثير من التحرشات والكلمات البذيئة، فضلاً عن محاولات ضعاف النفوس استدراجهن بمختلف المغريات، واستغلال الوضع المادي السيئ لهن، وبالتالي استخدامهن في أعمال الدعارة والملاهي الليلية، خاصة وأن بيئة الشارع وفي ظل انعدام التوجيه الأسري والدور التعليمي للمدرسة، وفي غياب البيئة الملائمة لنمو الفتيات والخصوصية المرافقة لبلوغهن ودخولهن سن المراهقة، في غياب كلّ ما ذُكر تلعب بيئة الشارع دوراً سلبياً من خلال احتكاك الفتيات بمجتمع قاسٍ يؤدي لتشويه في الشخصية وإحساس كبير بالنقص وانعدام الأمان، وتركيز الاهتمام لديهن على الجانب المادي لشعورهن بالحاجة، وهنا يتمّ الاحتيال عليهن من قبل أشخاص يدّعون الطيبة في البداية والرغبة في الستر عليهن، ليقوموا لاحقاً باستغلالهن بمختلف الأعمال اللاأخلاقية. وهناك الكثير من الأبحاث والتقارير التي تؤكد هذه المعلومات، وهذا كله ينعكس سلباً على التكوين المجتمعي، حيث يؤدي ذلك لظهور فئات مجتمعية تعمل على استقطاب الشباب الفتي نحو الانحراف والابتعاد عن القيم الأخلاقية.
لا شكّ أن أحوال الناس وظروفهم وقصصهم كثيرة، وهناك كثيرون ممن قست عليهم الدنيا، ودفعتهم للتسول بعد أن جرّبوا كل البدائل، لكن انتشار المحتالين وامتهانهم للتسول زاد الطين بلة.
وتبقى هذه الظاهرة، أياً تكن الدواعي والأسباب، سلبية من كل الجوانب وتتطلّب عملاً متكاملاً وإيجاد حلول جذرية وناجعة للتخلص منها.