“واشنطن بوست” تفضح الدور الأمريكي في اليمن
عناية ناصر
كان إعلان الرئيس جو بايدن، بعد أسبوعين من توليه منصبه، بأنه سينهي كلّ الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في الحرب على اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة، غامضاً ولا مبرّر له. وعندما طالبه المشرّعون بإيضاح عن سبب تغيير النهج الذي أعلنه، امتنعت الإدارة عن تقديم أية تبريرات. وردّت وزارة الخارجية على ذلك برسالة مفادها أن إعلان بايدن “يشمل تعليق بيع ذخائر جو- أرض التي سبق الإبلاغ عنها والمراجعة المستمرة للأنظمة الأخرى”. ولكن ما عدا ذلك، لم تشر الإدارة إلى الدعم العسكري الذي سيستمر في التدفق إلى التحالف الذي تقوده السعودية.
يؤكد تقرير جديد وشامل نشرته صحيفة “واشنطن بوست” قبل عدة أيام أن الشك في الانسحاب كان له ما يبرّره، وأن تحديد “العمليات الهجومية” كان خادعاً. وبينما تدين الإدارة الأمريكية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، لا تزال متورطة بوحشيتها ضد المدنيين في اليمن، البلد الذي يواجه أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
يعدّ تقرير “واشنطن بوست” دليلاً جديداً عن كيفية دعم الإدارة الأمريكية للتحالف الذي تقوده السعودية، وعن جرائم الحرب المستمرة في اليمن، وكيفية إيقاف هذا الدعم. وتجدر الإشارة إلى أن تقرير الـ”واشنطن بوست” ليس أول تقرير يشير إلى أن التدخل والتورط الأمريكي في اليمن لا يزال مستمراً. فقد بات معروفاً، أن صفقات بيع الأسلحة استمرت خلال فترة بايدن، حيث وقّع الرئيس والكونغرس على صفقة بيع صواريخ وأسلحة أخرى إلى السعودية بقيمة 650 مليون دولار في أواخر عام 2021، ووافقت وزارة الخارجية على ملايين أخرى في شباط الماضي، في سياسة تتماهى بشكل عام مع إدارة ترامب في الترويج لصادرات الأسلحة، حيث كانت وتيرة مبيعات الأسلحة في عهد بايدن هي نفسها تقريباً إبان عهد ترامب!.
وبالإضافة إلى ذلك لم تلغِ الإدارة حتى الآن عقود الصيانة العسكرية التي تعتبر، وفقاً لمقالة الـ”واشنطن بوست” والتقارير السابقة لموقع “فوكس” الإخباري، ضرورية لاستمرار الضربات الجوية في اليمن. وفي هذا الخصوص قال النائب الديمقراطي توم مالينوفسكي للصحيفة: “حتى وإن لم نبع السعودية ذخيرة معينة من الأسلحة، بالرغم من ذلك لا يزال بإمكانهم استخدام الطائرات في العمليات، لأنه يوجد لديهم الكثير من مخزون الذخائر، وسيكونون قادرين على إيجاد بدائل، ولكن لا يوجد هنالك بدائل لعقود الصيانة ولا القدرة على الطيران دونها”.
ووجدت الـ”واشنطن بوست” أن هذه العقود التي تمّ إنجازها من قبل الجيش الأمريكي والشركات الأمريكية لطائرات التحالف التي تنفذ مهام هجومية قد استمرت منذ إعلان “العمليات الهجومية”، على الرغم من أن العديد من الضربات الجوية الأمريكية مسؤولة عن معظم حالات الموت المباشرة بين المدنيين، إلا أن تعليقات بايدن اقتصرت على التعبير عن بالغ قلقه إزاء سلامة السكان المدنيين.
لقد بات واضحاً أيضاً أن إدارة بايدن لم تضغط من أجل الإنهاء الفوري للحصار السعودي على اليمن، والذي كان عاملاً رئيسياً ساهم في ظروف المجاعة في البلاد، والنقص الحاد في الضروريات مثل الأدوية والوقود. كما لم ترد رسالة وزارة الخارجية على استفسار المشرّعين حول عمليات نقل المعدات البحرية، التي يمكن استخدامها لإطالة أمد الحصار، وكانت البحرية الأمريكية تزعم من حين لآخر أنها اعترضت أسلحة مهرّبة، وفق ما أشار “معهد بروكينغز”، مما يدلّ على دورها النشط في الحصار أكثر مما تعترف به الإدارة.
المعلومات الجديدة الحاسمة في تقرير “واشنطن بوست” هي تحديده “لأول مرة هوية أسراب الطائرات المقاتلة التسع عشرة التي شاركت في الحملة الجوية التي قادتها السعودية في اليمن”، حيث زعم البنتاغون أنه لا يستطيع بشكل موثوق تمييز أي من الوحدات التي كانت تشارك في العمليات الهجومية المحظورة، بينما كان تحقيق الـ”واشنطن بوست” قادراً على القيام بذلك. كما كان قادراً أيضاً على تحديد أن الجيش الأمريكي أجرى تدريبات، بعضها على الأراضي الأمريكية، أي أن ما لا يقلّ عن 80 بالمائة من طائرات التحالف نفذت مهام غارات جوية في اليمن، والتي استمرت حتى بعد أن ادّعى بايدن إنهاء دعم العمليات الهجومية، حيث ركزت إحدى الدورات التدريبية في آذار 2022، على سبيل المثال، على ثلاثة مواضيع أساسية، كان أحدها التقنيات “الهجومية”.
جاءت توضيحات التقرير في وقت مناسب لسياسة الولايات المتحدة بتغيير مسارها، حيث أعلنت الأمم المتحدة في وقت سابق عن تمديد الهدنة التي بدأت في نيسان الماضي لمدة شهرين، وهي أول وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد منذ بدء الحرب في عام 2014. وهذه الهدنة ليست فقط إغاثة فورية للمدنيين اليمنيين، ولكنها أيضاً خطوة مهمّة نحو التفاوض من أجل السلام، الذي يشير إلى أن الانسحاب الجزئي للولايات المتحدة قد يكون له بعض التأثير على شهية التحالف بمواصلة الحرب. ومن شأن قرار من قبل الحزبين قدّم في مجلس النواب في شهر حزيران الحالي أن يوجّه الرئيس إلى إنهاء “المشاركة العسكرية الأمريكية” في الضربات الجوية الهجومية بشكل أكثر شمولاً، بما في ذلك –وخاصة في ضوء تحديد الـ”واشنطن بوست” لهوية الطائرات- إلغاء عقود الصيانة.
لا يحتاج الرئيس إلى انتظار الكونغرس لتمرير قرار إنهاء الدعم العسكري الأمريكي للتحالف، فالقيود الدستورية على سلطات الحرب الرئاسية كلها إلى جانب الانضمام إلى الحروب وليس إنهاؤها. كما لا يحتاج بايدن إلى إذن من الكونغرس لتزويد الشعب الأمريكي بمعلومات كاملة حول ما قامت به الإدارة في اليمن، وكيف يمكنها -ويجب عليها- التوقف عن العمل مع التحالف الذي تقوده السعودية.
هناك الكثير ليقال عن دور الولايات المتحدة في اليمن لثلاث رئاسات الآن، لقد حان الوقت للشفافية والسلام.