إيحاءات أيديولوجية عدوانية
هيفاء علي
تذكّر الحرب الأوكرانية بالمسار الذي اختاره الأوروبيون ببداية الحرب العالمية الثانية عندما جمع هتلر العديد من الدول الأوروبية، إن لم يكن معظمها، تحت رايته للحرب ضد الاتحاد السوفييتي السابق، وها هو السيناريو ذاته يتكرر اليوم، حيث يقوم الاتحاد الأوروبي، جنباً إلى جنب مع الناتو، بتشكيل تحالف لشن حرب على روسيا، زاعماً حرصه على استقلال أوكرانيا، وعندما تم منح أوكرانيا صفة “مرشّح” للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أدركت موسكو أن الاتحاد الأوروبي قد تغير، وبشكل جذري، في السنوات الأخيرة، ليكتسب إيحاءات أيديولوجية عدوانية بشكل أساسي معادية لروسيا، اذ لا تعني الطبيعة غير العسكرية للاتحاد الأوروبي أنه لا يمكن أن يصبح أداة في أيدي الكتل العسكرية، وهذا هو بالضبط ما يحدث، يتحول الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد إلى نقطة تجمع لتحالف عالمي ضد روسيا.
في هذا السياق، سيشهد الأسبوع المقبل قمة للناتو يحضرها زعماء استراليا ونيوزيلندا واليابان وكوريا الجنوبية لأول مرة، وبالتالي فإن حلف شمال الأطلسي يجتذب دولاً من المحيط الهادئ، فما هي إن لم يكن خطوة نحو تحوله الرسمي إلى تحالف عالمي؟ لقد كان بالفعل، في جوهره، تحالفاً عالمياً له طموحات عالمية، ووجود أمريكي عالمي، (ووجود بريطاني وفرنسي يمتد إلى ما وراء أوروبا)، لكنه ظل أطلسياً وأوروبياً في أهدافه العسكرية.
إن تورّط دول المحيط الهادئ الأربع إشارة لا لبس فيها إلى الصين، حيث تفكر أمريكا بالردع الشامل ضد الصين، ليس فقط في المحيط الهادئ من قبل قواتها وقوات حلفائها، ولكن أيضاً في أوروبا، بما في ذلك قوى العالم القديم، ولكن حتى الآن، توسع الناتو الرسمي في المحيط الهادئ غير ذي صلة، لأن الأوروبيين غير مستعدين لذلك بشكل قاطع، لكنها مسألة وقت فقط، لأن الأوروبيين أيضاً لم يرغبوا في الصدام مع روسيا، فقد كانوا يستعدون لذلك لمدة ثماني سنوات، وفي سياق مواز، لم يتم تصنيف الصين بعد على أنها تهديد مباشر، ولكن سيتم ذكرها في استراتيجية الناتو الجديدة كدولة يشكّل صعودها إلى السلطة تحدياً لمصالح الحلف، بمعنى أن الأمريكيين يسعون كي يكون لديهم تحالفان منفصلان، أحدهما ضد روسيا في أوروبا، والآخر ضد الصين في آسيا، ولكن، من وجهة نظر مراقبين، فإنه من الصعوبة بمكان تشكيل التحالف الثاني، فحتى الدول الأربع المدعوة إلى قمة الناتو ليست كلها مستعدة للانضمام إلى كتلة مناهضة للصين بشكل علني، لذلك من السهل اليوم على الولايات المتحدة أن تبني جبهة مشتركة ضد روسيا والصين من خلال تقديمهما كتهديد مشترك لـما يسمى “النظام العالمي الديمقراطي”، وهنا تلعب أوروبا دوراً حاسماً في بناء هذا التحالف، ليس فقط كأحد المكونين للغرب، ولكن أيضاً كقوة جذب لمراكز القوة والدول الأخرى: آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية.
على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي ليست لديه سياسة خارجية مشتركة متماسكة، فإن للدول الأعضاء فيه تأثيراً كبيراً على أجزاء مختلفة من العالم، بما في ذلك المستعمرات السابقة، وهذه فرصة للعمل بنشاط لتجنيد أعضاء جدد في “التحالف الشيطاني”، وهنا يتساءل مراقبون عما إذا كان هذا العمل ناجحاً لتكون إجابتهم على الفور “لا”، وقد أثبتت الأشهر الأربعة الماضية ذلك بوضوح، اذ لم توقّع الغالبية العظمى من دول العالم على العقوبات المناهضة لروسيا، على الرغم من تعرّضهم لضغوط شديدة، أو حتى أجبروا على القيام بذلك ليس فقط من قبل الأنغلوساكسون، ولكن أيضاً من قبل الأوروبيين.