ماهو الخيار الآخر ؟؟..
د. مهدي دخل الله
تطرح السياسة ، كما الحياة عموماً ، خيارات صعبة ، أحلاها مرُّ . و الشعب الواعي هو الذي يلتزم بهذا « المرّ الأحلى » ، لأن الخيار الآخر يكون قاتلاً أثناء المراحل الانعطافية في مسار التاريخ . بهذا يتميز الشعب القوي الواثق عن غيره . هذه ليست عبارات خطابية أو إنشائية أو حتى شعاراتية ، إنها تعبير عن تجربة حياتية نخوضها وخاضها آباؤنا وأجدادنا في هذا البلد العنيد … عناداً إيجابياً ..
ثمن خيارنا كان باهظاً ، والتضحيات ضخمة ، لكن ما هو ثمن الخيار الآخر المطروح ؟؟؟.. هل كان الدمشقي يرضى بأن يحتاج إلى تأشيرة للسفر إلى دولة أخرى اسمها حمص مثلاً أو حلب أو اللاذقية ؟؟.. لا تستغربوا أبداً . لن يصدق أجدادنا في بداية القرن العشرين لو أنكم قلتم لهم أنه سيأتي يوم لا يستطيع الدمشقي فيه الذهاب إلى مرفأ دمشق ، بيروت ، إلا بجواز سفر وتأشيرة ، وكذلك إذا أراد سكان حمص الشام وطرطوس الشام زيارة أشقائهم في طرابلس الشام عليهم « اختراق » حدود دولية صعبة ؟؟..
أنقذ آباؤنا وأجدادنا ما يمكن إنقاذه في إطار الجمهورية العربية السورية ، وأسقطوا حلف بغداد محررين بذلك عراق فيصل ونور السعيد ولبنان كميل شمعون من هذا الحلف ، بعد أن كانت الحكومتان العراقية واللبنانية قد وافقتا على الانضمام إليه .
هل هناك من يعتقد أن تقسيم سورية الحالية لم يكن مطروحاً قبل عشر سنوات ؟؟… لا .. ليست مؤامرة . لا توجد مؤامرات لأن أهم عنصر في المؤامرة هو الكتمان . لم تعد الولايات المتحدة بحاجة لمؤامرة ، إنها تقول كل شيء علناً ، كما تشرح خططها بوضوح … لكن المتابعين والقارئين ، للأسف ، قلائل ..
أعلنوها بالصوت المرتفع . الهدف : تقسيم سورية المقسمة أصلاً ، واستكمال سايكس بيكو وصولاً إلى شرذمة هذه المنطقة بمنطق الدولة – المدينة .. لا أكثر .
ومن لا تقنعه تجربة تاريخ سورية في القرن العشرين ، أي المقارنة العمودية ، فلينظر إلى ما حصل في دول شقيقة عبر المقارنة الأفقية . أعلنوا « إنقاذ » الشعب العراقي وإهداء الديمقراطية والتنمية إليه ، فأين هي العراق اليوم بعد عشرين عاماً من عملية الإنقاذ المزعومة ؟؟.. وماذا عن ليبيا ؟ أين هي الديمقراطية والعيش الرغد بعد 13 عاماً من عملية « الإنقاذ » ، علماً أن العراق وليبيا من أغنى دول العالم نظراً لثروتهما النفطية ..
أما سورية فنتائج عملية « الإنقاذ الأمريكي » كانت أكثر إيلاماً لسببين ، لأن سورية بلد فقير نسبياً بموارد الطاقة ، أي أن المكونات الطبيعية للناتج الإجمالي ضعيفة . والسبب الثاني ، الأهم ، أن سورية جارة فلسطين وهي رأس الحربة القوي في مواجهة الصهيونية وداعميها . فتصوروا كيف سيكون « الإنقاذ » لو لم نصمد .. ونتصدى ، وندفع ثمناً مرتفعاً في التضحيات ، لكنه أقل من ثمن الخيار الآخر ، كماً ونوعاً ..
mahdidakhlala@gmail.com