“الأيام كما عشتها” والكتابة كمرآة للذات
البعث الأسبوعية- سلوى عباس
يُعرّف النقاد “رواية السيرة الذاتية بأنها شكل من أشكال الرواية باستخدام تقنيات سيرة ذاتية خيالية أو دمج عناصر السيرة الذاتية والخيالية”، وقد تكون السيرة الذاتية مرآة لصاحبها مثلما هي مرآة لعصرها ومجتمعها، وهذا ما نقرأه في السيرة الذاتية للأديب إسماعيل مروة: “الأيام كما عشتها”، إذ يقول: “السيرة يكتبها صاحب الخبرة والتجربة، يكتبها إن كان فيها ما يستحق، وفي مرحلة متقدمة من العمر، وأظن أن ماعشته من تجارب في الحياة حتى اليوم يمنحني القوة لأمسك القلم وأكتب، أما عما يستحق فأزعم أن فيها الكثير مما يستحق وإن كان لايتعلق بي فإنه يتعلق بالوسط الذي عشت فيه، وأنا على قناعة بضرورة كتابة سيرتي الذاتية، وقد اخترت لها اسم (الأيام- كما عشتها) فـ”الأيام” اقتداء بأستاذي الأول في الحياة طه حسين، وأول كتاب قرأته في الحياة كتابه “الأيام” لذلك أحببت أن ألصق نفسي بهذا الرجل الكبير، فالحرية شرط أساس في الحياة وشرط لم أستغن عنه، وأضفت عبارة كما عشتها لتكون خاصة بي، فأكسب الفضل من طه حسين وأحمل أوزار سيرتي وأخطاءها وحدي، وأنا مسؤول عن كل حرف جاء فيها، وعن كل موقف اتخذته خلال هذه الحياة”.
لقد جاءت هذه “السيرة الذاتية” للأديب مروة مرآة للزمن بكل تجلياته ومراحله ألغى فيها الحواجز بينه وبين القارئ بحديث صادق وأسلوب جميل وبساطة في القص وموسيقا عذبة ضبط إيقاعها إحساسه المرهف، ولعل أبرز ماتقوم عليه حكايته الواقعية هذه هو استعادة العالم الحقيقي الذي ترعرع فيه الكاتب، ومحاولة التبسيط قدر الإمكان أثناء سرد أهم الأحداث، أما الحبكة فقد عملت على كشف تفاصيل شخصيته وكشف تاريخه المجمل، انطلاقاً من أن العمل مرآة المؤلف ولسانه، وقد فنّد الكاتب سيرته إلى مراحل، بدءاً من بيئته التي نشأ فيها وطفولته ومراحل دراسته حتى الجامعة والأشخاص الذين تعرّف إليهم من أساتذة وأصدقاء وكان لهم الدور في إغناء هذه السيرة، مروراً بمرحلة العمل التي تراوحت في أعمال كثيرة ترافق عدد منها مع إنجازه للدراسات العليا، وصولاً إلى احترافه الكتابة والأدب، خاصة وأن رصيد أديبنا من المؤلفات تجاوزت الخمسين مؤلفاً بين القصة والرواية والنقد، ومثلها الكتب التي عمل على توثيقها، ومن هنا نلاحظ أن السيرة الذاتية ليست شخصية فقط، صحيح أنها مرآة ذاتية تقدم صاحبها أو أن صاحبها يريد منها ولها أن تقدمه، لكننا لا نكاد نرى في السيرة إلا مايريد “وعي أو لاوعي” الراوي إظهاره، وربما في أحيان كثيرة نحن القراء نقرأ في سِيَر الآخرين سِيَرنا كما نرغب في أن نكتبها واصفين تجاربنا وحيواتنا، فهل تكون السيرة الذاتية مجرد استرجاع لسنوات مضت، خصوصاً سنوات الطفولة؟ أم هي تسجيل للرحلة الحياتية والفكرية والعقلية وتطوراتها كما يراها راوي السيرة؟ وإذا كانت السيرة الذاتية سجلاً لفكر الكاتب وعقله، ألا يكون من الأفضل اعتبار كتابات الكاتب هي سيرته الذاتية الحقيقية، فكل كتابات ونتاجات وأعمال الفرد تشي بتاريخه عامّاً وخاصاً، مثلما تشي باهتماماته وبعالمه الداخلي ونشاطه الخارجي، وكلها تشكل الأبعاد الأساسية والحقيقية للشخصية وللسيرة الفردية، وفي هذا الزمن المليء بالمتناقضات نتساءل إلى أي مدى حققت الكتابة التي عاشها الأديب مروة في هذه السيرة “الأيام كما عشتها” -كفعل حب بالدرجة الأولى- تصالحه مع نفسه ومع الحياة ومع الآخر الذي يتشارك معه أفكاره وكتابته، لأنه إن لم تكن كتابتنا مرآة صادقة لذواتنا فإن كل ما نسطره على الورق يحتاج منّا لوقفة نراجع من خلالها أنفسنا ونتاجنا، لتعكس كتابتنا صدقنا وتوافقنا مع واقعنا وما نفكر ونعيش.
في باب “خط النهاية” الذي ختم به د.مروة سيرته الذاتية يقول: “إنها تكثف بصدق سيرتي وحياتي، لم أجمّل إخفاقاً، ولم أعتدّ بنجاح، فأنا سعيد بكل مامر في حياتي من نجاحات وإخفاقات ولن أتردد في إعادة مامشيته لو عادت بي الحياة، وفخور بأسرتي وقريتي وأحبابي وأصدقائي وفخور بكل ماوصلت إليه وكله كان بجهدي وتعبي، وقد وضعت في هذه السيرة خط النهاية لرحلة شاقة وطويلة مثمرة وقاسية، أعلن فيها تقاعدي عن إصدار الكتاب وتفرغي للحياة والتأمل، أريد أن أتفرغ لذاتي فيما تبقى، لعلي أتوقف عن اللهاث الذي أدمنته خمسين عاماً”.