اللاجئون السوريون في تركيا…”كعب أخيل”
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
على الرغم من أن مشكلة تدفق اللاجئين الهائل إلى تركيا، لم تكن سوى نتيجة مباشرة لسياسة حزب العدالة والتنمية في سورية، ترفض أنقرة وكل الحكومات الغربية حلها وإنهاء الحرب على سورية، بل أن حكومة أردوغان تواصل تنفيذ المزيد من العمليات العسكرية في الشمال السوري، الأمر الذي يطيل أمد الحرب وأزمة اللاجئين في آن معاً.
في مشهد لا يختلف كثيراً عن ممارسات قطاع الطرق، ورؤساء العصابات، قال وزير داخلية النظام التركي سليمان صويلو في مقابلة تلفزيونية عبر إحدى القنوات المحلية ” تي غي ري تي” التركية الخاصة، أثناء حديثه عن رئيس حزب “الظفر” الجديد أوميت أوزداغ: “هذا الرجل أدنى درجة من الحيوان … لا أعتبره إنساناً، ولا أقبل به كبني آدم، إذا قلتم ذلك فإنني سأغادر البرنامج”.
في المقابل، رد أستاذ العلوم السياسية، والقومي التركي المتشدد أوزداغ، عضو حزب الحركة القومية السابق بالمثل، واصفاً صويلو بأنه “جبان” لافتقاره إلى القيادة في وزارة الداخلية، كما دعاه إلى منازلة أمام باب وزارته، قائلاً: “إذا كنت رجلاً، وإن لم تكن جباناً، فواجهني أمام الوزارة في أي وقت دون أن تحتمي خلف الشرطة، وسأكون وحيداً وأعزل”.
كان حزب أوزداغ “الظفر” في طليعة منتقدي سياسة أردوغان تجاه اللاجئين في المشهد السياسي التركي، وقد أدت سياساته المناهضة للاجئين وحزب العدالة والتنمية فضلاً عن تحفيز الشباب المحبط في تركيا، إلى تزايد شعبيته وصعود نجمه وتزايد أنصاره.
في الحقيقة، أصبحت قضية اللاجئين، التي تحولت الآن إلى قضية حاسمة في المشهد السياسي التركي – إلى جانب التدهور الاقتصادي الكارثي للبلاد – نقطة محورية في الانتخابات المقبلة.
جيوبولوتيك اللجوء
تعتبر سياسة حزب العدالة والتنمية تجاه سورية إحدى القضايا الرئيسية المطروحة على المحك، فقد حولت السياسة التركية العدوانية تجاه “المناطق التي احتلتها الإمبراطورية العثمانية سابقاً “، السياسة الخارجية التركية التقليدية بشكل دراماتيكي، وأخذتها بعيداً عن شعار كمال أتاتورك “السلام في الوطن والسلام في العالم”.
يرى الأكاديمي التركي أوزغور بالكيليتش في تفسيره جيوبوليتيك حزب العدالة والتنمية لقضية اللاجئين، بأن استجابات تركيا المختلفة لأزمة اللاجئين السوريين هي نتاج خطاب جيوسياسي قائم على الأيديولوجية البعيدة عن الرؤية الكمالية، التي أنتجت رؤيتها الجغرافية إطاراً أيديولوجياً، حاولت من خلاله جعل تركيا أكثر اندماجاً مع الغرب.
ومن خلال انتقاد “تركيا القديمة” باعتبارها دفاعية وغير فعالة ومهووسة بالأمن، ينظر حزب العدالة والتنمية إلى التوجه الجيوسياسي الجديد لتركيا على أنه “ضروري” في النظام الدولي الجديد.
وبحسب بالكيليتش فإن حزب العدالة والتنمية يرى أزمة اللاجئين السوريين نتيجة لتداعيات الأزمات السياسية والأخلاقية الأكبر للنظام الدولي، ولا يمكن فهم خطاب حكومة أردوغان بشأن أزمة اللاجئين السوريين إلا ضمن هذا السيناريو الجيوسياسي.
يرى المراقبون للشأن التركي، أن حزب العدالة والتنمية يستخدم الإطار القانوني فيما يتعلق باللاجئين وفقاً لمآربه الخاصة، وعلى الرغم من أن تركيا كانت طرفاً في الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951، فإنها تحافظ على التقيد الجغرافي فقط للأشخاص المنحدرين من أوروبا.
وبالإشارة إلى اللاجئين السوريين، يستخدم حزب العدالة والتنمية “تعريفاً دينياً” لكلمة “ضيف”، وليس تعريفاً محدداً بوضوح في اللوائح الرسمية. وفي هذا الصدد، يشير بلكيليتش إلى أن النقاشات العامة التي تقودها السلطات حول السوريين لا تدور حول المشاكل الكلاسيكية للمهاجرين، مثل قضايا الاندماج والحقوق القانونية والاقتصادية وسوق العمل. وبدلاً من ذلك، فإن اللغة التي يستخدمها مسؤولو حزب العدالة والتنمية هي لغة جيوسياسية. ويرى بلكيليتش أنه عندما تتم الإشارة إلى اللاجئيين السوريين على أنهم ضيوف، فهذا يعني أنهم جزء من المجتمع التركي الأكبر، أي الأمة. وهنا لابد لنا من الإشارة إلى، أن هذا المفهوم غير موجود في الأدبيات العالمية للهجرة، ونتيجة لذلك، تحررت تركيا من التزاماتها ومسؤولياتها العديدة تجاه اللاجئين أو المهاجرين.
قضية اللاجئين كسلاح
على الرغم من محاولات حزب العدالة والتمنية احتواء قضية الهجرة على طريقته، فقد أضطر إلى تغير سياسته تجاه سورية واللاجئين السوريين بمرور الوقت، خاصة بعد فشله الذريع في سورية، وبالتالي أصبحت قضية الهجرة هي خط الصدع في السياسة الداخلية، فبعد عام 2016، لجأ النظام التركي إلى القيام بالعمليات العسكرية عبر ما يُسمى بـ “درع الفرات”و “غصن الزيتون” و” نبع السلام، بهدف إقامة ” منطقة آمنة” لتوطين اللاجئين السوريين.
بالعودة إلى أهمية اللاجئين السورين بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، أكد كبار المسؤولين التنفيذيين في الحزب على قيمة “العمالة الرخيصة” للاجئين السوريين. ويعتقد إرهان نالكاتشي، الأستاذ التركي وكاتب العمود في صحيفة “سول” اليسارية اليومية، أن حزب العدالة والتنمية سعى إلى استخدام اللاجئين كـ “عمالة رخيصة وجيش احتياطي كبير”.
يقول نالكاتشي: “كانت هذه فرصة فريدة لخفض الأجور وتجاهل الحقوق الاجتماعية وإعطاء ميزة للسلع التي يتم إنتاجها في تركيا في المنافسة الدولية”، مضيفاً أن لدى البرجوازية التركية “أجندة ضم غير معلنة لشمال قبرص وشمال غرب سورية”.
ووفقاً لنالكاتشي، تعتبر تركيا هذه المواقع في قبرص وسورية مناطق خاضعة للسيطرة التركية”، مؤكداً أن وضع اللاجئين السوريين ضمن هذه الأجندة يهدف إلى التغيير الديموغرافي والتتريك في المناطق المحتلة من سورية، فضلاً عن الهيمنة التركية على منطقة لتعتمد اقتصادياً وسياسياً على تركيا.
يُعرب العديد من السياسيين المعارضين عن استيائهم من استضافة اللاجئين السوريين بسبب احتمال استخدام حزب العدالة والتنمية لهم ضد خصومهم السياسيين المحليين، إذ يرون أن اللاجئين وفّروا أساساً مناسباً لبناء جيش من المرتزقة التابع لحكومة أردوغان، تماماً كما فعلوا في شمال سورية.
ومع ذلك، فإن طموح حزب العدالة والتنمية في إنشاء منطقة عازلة في شمال سورية وضمها إلى الأراضي التركية، قد يأتي بنتائج عكسية. فمن ناحية، يقول نالكاتشي، يقدر حزب العدالة والتنمية اللاجئين السوريين كأداة لسياساته التوسعية في المنطقة. لكن في الوقت نفسه، يضع العقل الإمبريالي في الحسبان أن اللاجئين قد يخلقوا حالة من عدم الاستقرار ويفتحوا مجالاً للتدخل.
في سلة واحدة
بالكاد تختلف آراء المعارضة التركية الرئيسية عن آراء حكومة حزب العدالة والتنمية فيما يتعلق بقضية اللاجئين. حيث يضع حزب الشعب الجمهوري “حلاً” على شاكلة الحل في شمال قبرص على جدول أعماله.
لقد وعد زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو، في كثير من الأحيان بإعادة اللاجئين السوريين إلى سورية. كما يلتزم حزب ” الظفر” الجديد بطرد اللاجئين. ويؤكد نالكاتشي موقف المعارضة من سورية واللاجئين: ” لم تدرج المعارضة أي تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية في برنامجها. علاوة على ذلك، دعمت بشكل دائم مبادرات حزب العدالة والتنمية في البرلمان، وخاصة قرارات إرسال الجنود”.
لم يثر السياسي الأكثر مناهضة للاجئين أوميت أوزداغ وحزبه “الظفر” أي اعتراض على إرسال الجنود الأتراك إلى المناطق التي يحتلها النظام التركي في شمال سورية، أي عندما يتعلق الأمر بـ “الأمن القومي”، تردد المعارضة نفس نغمة حزب العدالة والتنمية. وعلى الرغم من أن حزب الشعب الجمهوري صوّت ضد الاقتراح الأخير لإرسال جنود أتراك إلى العراق وسورية، فإن مزاعمهم حول رواية “الأمن القومي” تبقى حاضرة.