كبح التضخم الأمريكي يتطلب تغيير المسار
هناء شروف
ارتفع مؤشر الأسعار في الولايات المتحدة بنسبة 8.6 في المئة في أيار الماضي، وهو أعلى مستوى منذ عام 1981 متجاوزاً توقعات السوق البالغة 8.3 في المئة، ولكبح جماح التضخم الكبير والاقتراض الهادئ، رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة بمقدار 0.75 نقطة مئوية في 15 حزيران الجاري، وهي أعلى زيادة منذ عام 1994، ولكن هل ستخفف إجراءات بنك الاحتياطي الفيدرالي التضخم في الولايات المتحدة؟.
التضخم المرتفع القياسي في الولايات المتحدة هو نتيجة النقل طويل الأجل للسلاسل الصناعية العالمية الذي لا يمكن عكسه بين عشية وضحاها، في الثمانينيات نجحت الولايات المتحدة في إبطاء التضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة، لكنها لا تستطيع فعل ذلك لأن الصين ودول شرق آسيا الأخرى زودت العالم بما في ذلك الولايات المتحدة بكميات هائلة من المنتجات عالية الجودة بأسعار منخفضة نسبياً، وبالتالي ساعدت في حماية سبل عيش الشعب الأمريكي، وقد اعترف الأمريكيون، بما فيهم رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق ألان غرينسبان، بذلك.
في الواقع، يعتمد الاقتصاد الأمريكي على التنمية المنسقة للصناعات العالمية، ولكن بمعزل عن السلاسل الصناعية العالمية، لم تكن الولايات المتحدة قادرة على تحقيق المستوى الحالي من التنمية، وضمان مستويات معيشة عالية للشعب الأمريكي، كما غذت عوامل أخرى التضخم في الولايات المتحدة، ومنها جائحة كورونا التي عطّلت الصناعة وسلاسل التوريد العالمية بشكل خطير.
حتى الآن، يبدو أن واشنطن لا يمكنها كبح جماح التضخم، حيث إن الوضع الاقتصادي الحالي مختلف تماماً عن الوضع في الثمانينيات، في ذلك الوقت، مع تحسن البيئة الخارجية بشكل عام، وترتيب الإنتاج المحلي، كان لارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة تأثير إيجابي، ولكن الآن تغيرت الظروف.
رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة لن يساعد في كبح جماح التضخم، لأن المشكلة الأساسية في الولايات المتحدة اليوم هي تفريغ الصناعات، وعدم كفاءة الصناعة، وسلاسل التوريد، على سبيل المثال انخفضت إنتاجية العمالة غير الزراعية بنسبة 7.3 في المئة في الربع الأول من عام 2022 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو أكبر انخفاض منذ الربع الثالث من عام 1947، وفقاً لمكتب إحصاءات العمل.
من ناحية أخرى أضعفت سياسة احتواء الصين الأساس الاقتصادي للبلاد، وقوضت بشكل كبير تعاونها مع بقية العالم، كما أدى التحفيز النقدي الأمريكي إلى تعطيل سوق العمل المحلي ونشاط الإنتاج، لذلك لا يمكن حل أي من هذه المشاكل عن طريق رفع أسعار الفائدة، بل على العكس من ذلك، سيؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة تعطيل التدفقات العالمية، وسيزيد من تكلفة الإنتاج المحلي، ويسرع التحول من الاقتصاد الحقيقي إلى الاقتصاد الافتراضي.
في الواقع، اقتصاد الولايات المتحدة ليس الاقتصاد الوحيد الذي يواجه تضخماً مرتفعاً، لأن التضخم في أوروبا على قدم المساواة مع التضخم في الولايات المتحدة، حيث بلغ 8.1 في المئة في أيار الماضي، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى الآثار غير المباشرة للإخفاق الاقتصادي للولايات المتحدة، وجهودها لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي وفقاً لما تفضّله، لذلك لكبح جماح التضخم العالمي يتطلب من الولايات المتحدة تغيير مسارها، والتخلي عن ممارساتها الخاطئة التي وجّهت ضربة خطيرة للاقتصاد العالمي، على سبيل المثال، إذا رفعت واشنطن جميع التعرفات الجمركية على السلع الصينية، من المرجح أن ينخفض التضخم في الولايات المتحدة بمقدار 1.3 نقطة مئوية.