مجلة البعث الأسبوعية

لم؟ ولأجل ماذا؟ ولمواجهة من.. تأسيس حلف ناتوي شرق أوسطي؟

محمد شريف الجيوسي (الأردن)

أثارت دعوات الملك الأردني عبد الله الثاني بإقامة حلف شرق أوسطي (شمال أطلسي ـ ناتوي)، في المنطقة العربية، الكثير من الاستغراب والاستهجان، لجهة التساؤل عن الضرورة التي تفرض إقامة هذا الحلف، سواء على صعيد مصالح المنطقة، أو من حيث التوقيت، فالدعوة لإقامته تتزامن مع التطورات الدولية الراهنة، والتي تؤشر إلى تحول الصراع في أوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة، لا “ناقة ولا جمل” للعرب في التورط فيها.

وأقول: الاستغراب والاستهجان ليس لأن النظام السياسي في الأردن خارج معادلة التبعية لأمريكا والغرب الأوروبي وإسرائيل، ولكن الملك، رغم كل شيء، على قدر معين من إدراك مصالح نظامه السياسي ومؤسسة العرش والإستقرار في الأردن، فهو يقيم علاقات مع المتضادين في العالم، حيث يؤطر علاقات مع كل من روسيا والصين وقام بزيارات لكلتيهما، ما يحقق له نوعا من الاحترام، وربما التحسّب، لدى من يواليهم جملة وتفصيلا، من أنه “مستقل الإرادة”، وإن يكن على نحوٍ محدود وجزئي، ما يساعده على تحقيق بعض المطالب، باعتبار أن بعض أصابع قدمه موضوعة في الخانة الثانية، ولو بخجل ممض (..).

لكن هذا التحول الكلي يفقد الملك والنظام الرسمي الأردني كل أوراقه، بحيث لا يحسب له أي حساب في الفترة التالية لانتهاء الحرب، والتي من الجليّ أنها ستسفر عن نظام عالمي جديد لا حول ولا طول للولايات المتحدة الأمريكية، ومن يليها، فيه، سواء كانوا “حلفاء” أو أتباعا أو مريدين أو عملاء؛ وسواء كانوا أنظمة سياسية أو قيادات؛ وهي الحرب التي ستهمش مُوالي أمريكا المستمرين في الولاء لها، كما هو حال الدعوة لتأسيس هكذا حلف.

ومن الواضح أن الملك عبد الله الثاني عاد من زيارته الثانية للولايات المتحدة ببرنامج ومهام مختلفة عن زيارته الأولى. ففي الأولى، تمكن من استثناء الأردن من المشاركة في حصار سورية، منسجما بذلك مع مصالح الأردن الحقيقية ومع مشاعر أغلبية الشعب الأردني؛ وهو ما أحتسب له محليا وقومياً، رغم ضغوط المستشار التجاري الأمريكي في عمان، على المؤسسات والشركات الكبرى الأردنية لثنيها عن الانفتاح والتعامل مع سورية.

لكن عبد الله الثاني عاد بنتيجة هذه الزيارة الطويلة ببرنامج ومهام مختلفة تماماً، لا تتعلق به فحسب، بل بالدعوة لحلف عسكري على مستوى الإقليم، يضم – إضافة للأردن الرسمي – دول الخليج ومصر والعراق، والذي يبدو أنه هيء له قبل وقت من الآن، بين كل من مصر والعراق والأردن، والذي بدا لوهلة مفرحاً، بما تحدث عن مشاريع ذات طبيعة اقتصادية واستثمارية وتجارية، وما أعلن من مشلريع استراتيجية، ولكنه كان ملفتاً، عندما استثنى سورية المحادية للعراق والأردن، بما يعني الالتزام بمضامين الحصار الغربي على سورية العربية الشقيقة،

والجارة المسلمة، والتي هي جزء من سورية الطبيعية الكبرى، فضلاً عن المصالح وعلاقات التاريخ والقربى والأنساب والقبائل والعائلات الممشتركة.

لقد كانت دول الخليج أقرب إلى إدراك مصالحها الاستراتيجية، وفهم طبيعة التحولات المقبلة، فيما يبدو، من الأردن، حيث رفضت زيادة إنتاجها من النفط والغاز لتعويض الغرب عن حصاره لروسيا ومقاطعة النفط والغاز منها، ظنا منه أنه بذلك يحاصر ويجوّع الشعب الروسي لينتفض ضد دولته التي أعادت له الكرامة ووضعته على خارطة الفعل الإيجابي دولياً، بعد انهيار الإتحاد السوفييتي.

لكن أمريكا تحاول استعادة الخليج إلى حظيرتها، وتلجأ إلى عبد الله الثاني بالاشتراك مع النظامين السياسيين في العراق ومصر، لإقامة ناتو شرق أوسطي، وهو ما مهد له بتقارب مصري اردني مع كل من الإمارات والبحرين، ليكونا بمثابة عناصر إقناع وضغط على الأطراف الخليجية الأخرى التي يرشح ألا تكون متحمسة لقيام هكذا حلف، كـ عُمان والكويت.

وليس مستبعدا تهافت الثعلب أردوغان لـ “طي صفحة الماضي” مع كل من مصر والإمارات والسعودية، رغم العلاقات العدائية مع مصر، والتنافسية مع السعودية، على “الزعامة الإسلامية” وأطماع النفوذ الجغرافي المتبادلة لكليهما في كلٍ من العراق وسورية، فضلاً عما رتبه قتل الصحفي السعودي من متاجرة أردوغان بدمه.

ولكن هذا الحلف المطروح إقامته سيواجه مَن؟ وماذا؟ ولماذا؟

من الواضح أنه سيكون بمواجهة خصوم أمريكا والغرب الأوروبي وإسرائيل في المنطقة، أي إيران وسورية والمقاومة اللبنانية وأطراف فلسطينية غير مناورة في اللحظات الدقيقة، فيتكرر ما حدث سابقاً لأن مكتب الإرشاد العالمي الإخواني لن يقف ضد حلفاء الربيع الغابر، أي أمريكا وأتباعها كتركيا وقطر.

كما أن هدف مشروع الحلف – الذي ستجتمع أطرافه أواسط شهر تموز المقبل 2022، في الأردن، بحضور أمريكا – حصار روسيا والصين ومن يقف معهما، سواء عسكريا أو اقتصاديا.

والغريب أن يراهن الملك عبد الله الثاني بدور يتولى فيه تأسيس وقيادة هذا الحلف الذي لا مصلحة استراتيجية، أو حتى آنية، فيه، سوى جعل البلاد والعباد تحت خطر الدمار الشامل الذي تجلبه الأنظمة الهامشية لشعوبها. لقد كان فتح مطار ماركا العسكري ليلا للطائرات الأمريكية، بقصف العراق، سنة 2003، سهلا ويسيرا على الأردن (وإن يكن مخجلا)، فقد كان العراق بلا “بواكي”، وكانت سورية الوحيدة من دول الإقليم التي لم تفتح حدودها للعدوان على العراق، بل ودعت في مؤتمر قمة بلسان رئيسها: إن كنتم لا تقدروا على نصرة العراق في الحرب القادمة عليه، فلا تفتحوا مطاراتكم وحدودكم للعدوان عليه.

إن إقامة حلف عسكري في المنطقة لن يكون لتسهيل مهمة الطائرات الأمريكية بقصف للعراق انطلاقاً من مطار ماركا، مثلاً، ولن يكون لغايات تزويد الغزاة الأمريكان بالذخائر والتموين، إنما سيكون بمواجهة محور مقاومة له “بواكٍ”؛ ليس كالعراق الذبيح، كما سيواجه التحالف الروسي الصيني ومن معه، فأي مصير يقاد إليه الأردن، الوطن والشعب والجيش والمقدرات والمصير؟ وأية وصمة عار سنخجل منها ويخجل تاريخنا من تذكرها!!

لقد أسقط الشعب الأردني، رغم بساطة إمكاناته في الخمسينات، محاولات جره وإدماجه في أحلاف إقليمية مشبوهة، رغم أنها لم تكن تتسم ببعد عسكري صريح. ولا أخال إلا أنه، وهو الآن أكثر وعياً وقدرات وتجارب، أكثر قدرة على إسقاط هذا المشروع الساقط وطنياً، وبخاصة بعد أن أثبتت مهانة وادي عربة أن تعليق الأمال على الأعداء “لن يجلب سمنا ولا عسلا”، إنما سُمّاً براحاً، فقد أصبح الأردن بعد “عربة” أكثر مديونية وتبعية ومصاعب معيشية، وأقل استقرارا أمنيا داخلياً، بإزدياد معدلات الجريمة الأكثر بشاعة ونوعية، وانتشار المخدرات وتوسع التفكك المجتمعي.

لا بد أن مقولة “عدو جدك ما بودك” دقيقة وصحيحة وصريحة، فمن أبعدَ الهاشميين عن الحجاز بمساعدة بريطانيا، ولاحقهم حتى مشارف عمّان، وردته عنهم عشائر أردنية عروبية كريمة أصيلة، مدركة مَغبّات الوهابية وتبعيتها لبريطانيا؟ ومن تقاسم معها السلطة بين مذهبية متطرفة وأخرى؟

ولا بد من التذكير، أيضاً، أن من أرغموا جدة الجد على الشهادة ضد زوجها الشريف الحسين بن علي “طيب الله ثراه” في منفاه القسري، إمعانا بالإذلال والخذلان، لن يصدقوا في العمق منهم مهما كذبوا وادعوا، بدليل النتائج على الأرض بعد مهانة عربة.

ألا ما من صحوة بمواجهة الشر المستطير، المنتظر؟ وهل كفت تركيا، العضو في الأطلسي، عن ممارسة عدواناتها ضد العراق وسورية واليمن وليبيا وحتى الصومال، بدعم ناتوي، لكي نقدم لها وللأطلسي مساعدة إضافية لشن المزيد من الحروب والعدوانات على أمتنا؟

m.sh.jayousi@hotmail.co.uk