الولايات المتحدة تعمل علي “تفعيل اتفاقات إبراهام”.. على الأرض!!
سمر سامي السمارة
مضى عامان على توقيع “اتفاقيات إبراهام” التي أشاد بها ترامب باعتبارها لحظة تاريخية. ومع ذلك، اعتقد كثيرون عدم جدواها وأنها لن تفضي لنتائج ملموسة، حتى أن تقريرا استخباراتيا أمريكيا صادرا عن وزارة الأمن الوطني حذر من إمكانية أن تؤدي هذه الاتفاقيات إلى زيادة الإرهاب. ومع ذلك، جددت إدارة بايدن الحماس لهذا النوع من الإتفاقيات، ليمتد التطبيع بين” إسرائيل” وبعض الدول العربية إلى السعودية.
في هذا السياق، نشر مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، مؤخراً، تقريراً يدعو إلى اتفاقية أمنية جديدة بين الولايات المتحدة والسعودية، مقابل دعم الرياض لخفض أسعار النفط والتطبيع مع إسرائيل. ويُظهر التقرير الكيفية التي يتم من خلالها طرح قضية تغيير المشهد الاستراتيجي للشرق الأوسط في واشنطن، لمعالجة الحقائق الجيوسياسية الجديدة الناشئة عن الصراع العسكري المستمر في أوروبا الذي يشمل روسيا وأوكرانيا، الولايات المتحدة والناتو.
في أعقاب “خروج” الولايات المتحدة من الشرق الأوسط – والذي يعني عملياً سحب الموارد العسكرية الأمريكية، يرى البعض أن السعودية سعت لاتخاذ موقف “مستقل”، لا سيما فيما يتعلق بعلاقاتها مع روسيا، وإدارة إنتاج وإمدادات النفط العالمية. لذا قامت الولايات المتحدة بتنفيذ بعض الإجراءات لتجنب الأضرار المترتبة على ذلك، من خلال منح “إسرائيل” الدور القيادي في المنطقة.
في 20 حزيران، أعلن وزير الحرب “الإسرائيلي” بيني غانتس عن وجود “تحالف جوي في الشرق الأوسط” بقيادة الولايات المتحدة. وبحسب الوزير، فإن البرنامج “فعال وقد نجح بالفعل من إحباط المحاولات الإيرانية لمهاجمة “إسرائيل” ودول أخرى في الشرق الأوسط”.
في الحقيقة، كان هذا التحالف في طور الإعداد منذ أكثر من عام، ما يعني أن إدارة بايدن كانت تسير – إلى حد كبير – على خطى إدارة ترامب لتعزيز دور “إسرائيل” كبديل فعال للولايات المتحدة في الشرق الأوسط – خاصة مع انشغال واشنطن بروسيا والصين في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ نسبياً.
يرى مراقبون أن ما اعتقده الكثيرون حول عدم جدوى الإتفاق بين بعض الدول العربية و”إسرائيل” لم يكن دقيقاً، فقد أصبح الآن ملموساً إلى حد كبير حيث تحول إلى تحالف عسكري فعلي، الأمر الذي سيدفع إلى المزيد من العسكرة.
مع استمرار المحادثات الأمريكية الإيرانية لتجديد الاتفاق النووي، والتي تواجه على ما يبدو طريق مسدود، روجت وسائل الإعلام الغربية لإمكانية صناعة إيران قنبلة نووية في غضون أسابيع، لذا فمن المرجح أن تستخدم إسرائيل وشركاؤها الإقليميون هذا السياق لتعزيز وترسيخ تحالفهم.
تُظهر مجريات الأحداث أنه، حتى لو تم إنقاذ الصفقة بين الولايات المتحدة وإيران، فمن غير المرجح أن يتغير المسار الجيوسياسي الذي تشارك فيه “إسرائيل كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط. خاصة في ظل تحول الجغرافيا الاقتصادية الذي أطلقت من خلاله إتفاقات إبراهام العنان لربط “إسرائيل” وبعض الدول العربية بطرق أكثر ديمومة.
على سبيل المثال، قبل ثلاثة أسابيع وقعت “إسرائيل” والإمارات على أول اتفاقية للتجارة الحرة، ومع ذلك، بلغ إجمالي التجارة الثنائية بين البلدين العام الماضي، أي قبل توقيع هذه الصفقة 900 مليون دولار أمريكي. ومن خلال هذه الصفقة، من المرجح أن تتضاعف التجارة الثنائية في الأشهر والسنوات المقبلة، لتصل إلى 5 مليارات دولار أمريكي في السنوات الخمس المقبلة. كما ستبدأ 1000 شركة “إسرائيلية” تقريباً العمل في دبي.
لكن بالنسبة لـ “إسرائيل”، فإن هذا يعني المزيد من “الاندماج” مع “العالم العربي”، وإحراز دور أعمق في تشكيل السياسات الإقليمية حول القضايا الرئيسية، خاصة دور إيران في المنطقة. والأهم من ذلك، لن تواجه إسرائيل أي مطالب من هذه الدول بمنح الشعب الفلسطيني حقه، واستعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبذلك تفقد القضية الفلسطينية أهميتها باعتبارها قضية مركزية لا تزال بحاجة إلى حل عادل وشامل.
إلى جانب اتفاقية التجارة الحرة، تعمل “إسرائيل” على تعزيز علاقاتها الجيواقتصادية من خلال إبرام صفقات الغاز. وهو ما حدث بالفعل مؤخراً بين “إسرائيل” ومصر.
قبل ثلاثة أسابيع، في أعقاب أزمة الغاز التي تضرب أوربا، وقعت إسرائيل صفقة غاز بمليارات الدولارات لتزويد أوروبا بالغاز عبر مصر. وعلى الرغم من أن هذا الغاز الذي تورده “إسرائيل” إلى أوروبا مجرد نقطة في المحيط مقارنةً بإمدادات روسيا إلى أوروبا، إلا أن لذلك دلالات كبيرة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، حيث يُظهر أن إسرائيل ومصر دخلتا في مرحلة عميقة من التعاون الذي من المحتمل أن يكون له تأثيرات على مستوى المنطقة. وهذا واضح من اقتراح تركيا بنقل الغاز الإسرائيلي عبر تركيا إلى أوروبا. وكما صرح خبراء إسرائيليون، فإن الفائدة الفعلية لمثل هذه الصفقات بالنسبة لإسرائيل هي “المزيد من التطبيع مع إسرائيل في المنطقة”.