الأمريكيون الأصليون.. حقائق مكتوبة بالدم
عائدة أسعد
كشف تقرير للحكومة الفيدرالية الأمريكية مؤخراً عن الظروف القاسية التي عانى منها أطفال الأمريكيين الأصليين على مدار 150 عاماً عندما تم وضعهم في مدارس داخلية، وأن ما يقرب من 19 مدرسة داخلية تسببت في وفاة أكثر من 500 طفل أمريكي من الهنود الأمريكيين، وألاسكا الأصليين، وسكان هاواي الأصليين، ومن المتوقع أن يزداد العدد مع استمرار التحقيقات.
وبحسب التقرير، نُقل أطفال لا تتجاوز أعمارهم 4 سنوات قسراً عن عائلاتهم، وأرسلوا إلى المدارس، وأجبروا على استيعاب أسلوب الحياة المفضل لدى الحكومة، ويطلق عليهم “الأمريكيون الطيبون”، وتم دفعهم في كثير من الأحيان من خلال العنف إلى التخلي عن لغاتهم وثقافاتهم وممارساتهم الدينية، ويقدر المؤرخون أن أكثر من 40.000 حالة وفاة بين الأطفال كانت نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لنظام المدارس الداخلية.
التاريخ الأمريكي لا تنقصه الفظائع، فقد نفّذ المستوطنون الأمريكيون والأوروبيون العديد من المذابح ضد السكان الأصليين، ما أدى إلى هجرة جماعية للسكان من أكثر من 5 ملايين عام 1492، وحوالي 250 ألفاً بحلول عام 1900، كما أدى الكشف عن المدارس الداخلية في مجتمعات السكان الأصليين إلى إصرار جديد على السعي إلى المساءلة عن الماضي الوحشي، ولكن على الرغم من الكشف عن التاريخ المظلم، إلا أن الطريق نحو الشفاء لايزال وعراً.
الصدمة لم تختف أبداً
يؤكد التقرير أن القمع المنهجي للأمريكيين الأصليين مستمر حتى يومنا هذا، فهم يكافحون من أجل الوصول المحدود إلى الكهرباء، والمياه النظيفة، والمرافق الصحية، وفرص التعليم، حيث تشهد مجتمعاتهم أعلى معدلات الفقر والوفاة المبكرة والانتحار، وأدنى معدل للتخرج، كما أدت جائحة كوفيد -19 إلى تفاقم محنة الشعوب الأصلية.
الأرقام تتحدث بصوت عال، فمتوسط العمر المتوقع للأمريكيين الأصليين أقل بـ 5.5 سنوات من متوسط الولايات المتحدة، ومعدل الفقر لديهم 25.4 في المئة، وهو أعلى معدل بين جميع الأقليات في الولايات المتحدة.
حتى الاعتذارات في الولايات المتحدة كانت قليلة ومتباعدة، فقد وقّع الرئيس الأسبق باراك أوباما قراراً في عام 2009 يعتذر عن “السياسات غير المدروسة السابقة تجاه السكان الأصليين لهذه الأرض”، ومع ذلك لم يكن للقرار أي تأثير حقيقي على السياسة الفيدرالية تجاه الأمريكيين الأصليين، وتعيين ديب هالاند، من سكان أمريكا الأصليين، وزيراً للداخلية ليس سوى جهد سطحي بالكاد يمكن أن يحدث فرقاً حقيقياً في أوضاع حقوق الإنسان للأمريكيين الأصليين.
يقول الكاتب الصيني لو شون: “الأكاذيب المكتوبة بالحبر لا يمكن أن تخفي الحقائق المكتوبة بالدم، ولايزال الأمريكيون الأصليون ينتظرون اعتراف الحكومة الرسمي بهذه الجرائم ضد الإنسانية، بحيث تتطلب الجهود الحقيقية للتعويض والتغيير الحقيقي أفعالاً وليس شعارات”.
انتهاكات حقوق الإنسان
إن قصة الأمريكيين الأصليين هي مجرد غيض من فيض عندما يتعلق الأمر بسجلات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، لأن عدم المساواة العرقية متفش داخلياً، وحتى الافتراضات القائلة بأن الأشخاص الملوّنين لا يتمتعون بقدرات المواطنة الكاملة لها تأثير طويل الأمد على الأمريكيين الأفارقة اليوم، خاصة بعد مقتل أمثال جورج فلويد، ومايكل براون نتيجة وحشية الشرطة التي تكشف انتهاكات حقوق الإنسان.
وعلى الصعيد الخارجي، أمضت الولايات المتحدة أكثر من 90 في المئة من تاريخها الذي يزيد عن 240 عاماً في شن الحروب، وبنت 800 قاعدة عسكرية في أكثر من 70 دولة ومنطقة، ما تسبب في اضطرابات في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وآسيا، حيث أدت الحروب التي شنتها أمريكا في أفغانستان والعراق وسورية وحدها إلى تحول أكثر من 20 مليون شخص إما إلى لاجئين أو مهاجرين، كما لايزال سجن غوانتانامو سيئ السمعة يحتجز فيه عشرات الرجال مع العديد من حالات التعذيب والاختفاء القسري والنقل السري خلال السنوات العشرين الماضية.
من الواضح أن الولايات المتحدة ليست نصيرة لحقوق الإنسان، لكنها تستخدم حقوق الإنسان كأداة سياسية للدفاع عن الهيمنة، وفي الدورات السابقة لمجلس حقوق الإنسان، أعربت أكثر من 100 دولة عن مخاوفها بشأن انتهاكات الولايات المتحدة المنهجية لحقوق الإنسان.
ويختم التقرير، بدلاً من إلقاء المحاضرات على الدول الأخرى حول حقوق الإنسان الخاصة بها، تحتاج الولايات المتحدة إلى بعض التأمل الذاتي، وعليها أولاً معالجة مشاكل حقوق الإنسان الخاصة بها، وعندما تمارس ما تدعو إليه فإن قضية حقوق الإنسان العالمية ستكون في وضع أفضل.