“ملتقى البعث للحوار” يحاكم مئة عام من إعلان الانتداب على فلسطين
دمشق – رامي سلوم
شدد ملتقى البعث للحوار، الذي دعا إليه فرع دمشق للحزب، تحت عنوان “القائد المؤسس حافظ الأسد والقضية الفلسطينية”، على أهمية إجراء مراجعة دولية شاملة لمئة عام على صدور صك الإنتداب على فلسطين، وما رافق ذلك من أخطاء في القواعد والممارسات أدت إلى تهجير نصف الشعب الفلسطيني وبقاء النصف الآخر يعاني تحت وطأة العنصرية الإسرائيلية.
ونوه الرفيق سليم محرداوي، رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام في فرع دمشق، إلى أهمية تناول مختلف القضايا وطرحها بشفافية، ومناقشة الهواجس والأفكار التي قد تطرأ على أذهان الرفاق وأفراد المجتمع، للوصول إلى قناعات راسخة، وبناء منهجية فكرية مبنية على المعلومة الحقيقية، والإجابة على مختلف التساؤلات من دون تقييد، ووضع الحضور في صورة الواقع التاريخي من خلال شهادات معاصرة للمراحل التاريخية الحساسة، وطرح موضوعات وأفكار متجددة.
الأستاذ الدكتور جورج جبور، الخبير المستقل لدى منظمة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، أكد أهمية العمل على بناء المسارات الحقيقية للقضية الفلسطينية، فالواقع الدولي متحول ومتبدل وستكون هناك فرصة لاستعادة الحقوق في وقت ما طالما أنها في صدارة المطالبات والواجهة السياسية والشعبية،
وقدم الدكتور جبور شرحاً مستفيضاً للظروف التاريخية التي رافقت إصدار وعد بلفور، ومخالفة “الوعد المشؤوم” لقواعد نظام الانتداب التي أقرتها عصبة الأمم، موضحا أن القائد المؤسس حافظ الأسد أسس فعليا لاستصدار قرارات دولية مهمة لصالح القضية الفلسطينية، واستطاع استقراء الواقع والمستقبل، الأمر الذي تجلى في مفاصل تاريخية مهمة، ومنها مؤتمر عدم الإنحياز (1973) في الجزائر، حيث شكلت الكلمة التي ألقاها الأساس الفكري والقانوني الذي بني عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم 3379، والذي يعتبر أن الصهيونية حركة عنصرية، وغيرها الكثير من المفاصل التي تم العمل عليها لتحريك الركود الأممي ونفض التستر على الجرائم الصهيونية.
وأقر جبور بأن الواقع الراهن قد لا يشكل بيئة إيجابية لتطبيق القرارات الدولية، غير أنها تبقى توثيقا سياسيا لمرحلة دولية لابد آتية، وستكون مفصلية في تأمين الحقوق، مشدداً على مواصلة العمل والتذكير بالقضية الفلسطينية، والجريمة الكبرى التي دبرتها عصبة الأمم، والتي تفوق وعد بلفور إجراما، وهو إقرار هذا الوعد في عصبة الأمم نفسها ليكون ملزما لجميع الأطراف الدولية وقتها، إذ لم تتواجد أية دولة عربية في تلك الاجتماعات كونها جميعا كانت تحت الانتداب.
وأشار جبور إلى أن الفترة ما بين 1920 و1930، كان مرحلة انتدابات، غير أن الانتداب على فلسطين كان مخيفا لأنه تضمن وعد بلفور الذي أصبح جزءا من القانون الدولي الملزم، لافتا إلى مخالفات كبرى لأصل صكوك الانتداب وغايتها.
وروى جبور أن صك الانتداب تجربة أساسها جنوب أفريقي، وقامت على مبدأ مساعدة الشعوب على بناء دولها، ضمن العديد من الأطر القانونية التي لم يتم تطبيق أي منها، حيث تضمن “الصك” حق أي شعب في اختيار الدولة التي يرغب في انتدابها عليه خلال المرحلة الزمنية، وتغييرها، الأمر الذي لم يحصل أبدا في أي دولة عربية، ومنها فلسطين، حيث جرى تشريع الانتداب لصالح “شعب” يتم جلبه من الخارج على حساب الشعب الأصلي، الأمر الذي يخالف الغاية الأساسية والهدف من إقرار تجربة الانتداب في أساسها القانوني.
ولفت د. جبور إلى أن صك الانتداب ينص على عودة “اليهود” إلى فلسطين، وهي فكرة دينية يهودية تم إقحامها في ورقة سياسية مدنية، وتعتبر تشجيعا لطائفة ودين وعرق على آخر، بما يخالف المواثيق الدولية، معتبرا أن كل تلك الأسباب والمخالفات تعتبر مطاعن قانونية لابد من العمل على مراجعتها وإقرارها، لافتا إلى أهمية حشر الكيان الصهيوني وفضحه، خصوصا أن ردود فعل هذا الكيان واستماتته لإغلاق الملفات الدولية التي تلاحقه واستماتة رعاته الدوليين يوضح الفاعلية الحقيقية لمثل هذه القرارات حتى ولو لم تكن فاعلية آنية سريعة.
وأشار جبور إلى وجود العديد من الروابط والفعاليات التي تعمل على دعم القضية الفلسطينية لكن غالبيتها لا تفضي إلى نهايات جدية لجملة أسباب، ولذلك فلا بد من عمل منهجي يفضي إلى نتائج حقيقية، مستذكرا أنه نشر، في العام 2002، مقالا في جريدة “البعث” عن اعتذار بلجيكا عما أوقعته من ظلم بحق الكونغوليين، وأهمية اعتذار بريطانيا للفلسطينيين جراء ما لحق بهم جراء وعد بلفور.
وتابع جبور أنه حمل هذا المقال إلى السفير البريطاني في دمشق، والذي كان يتقن العربية “المحكية” بشكل كبير، وكان تعلمها – على حد اعترافه – في مدرسة الجواسيس في “شملان”. واستدرك جبور: وضعت المقال بين يدي السفير وطالبته بأن يصل إلى وزير الخارجية وأن الهدف هو اعتذار بريطانيا عن وعد بلفور.
وبعد ايام قابلت السفير البريطاني في إحدى المناسبات والذي ابلغني أن المقال وصل إلى المكان الصحيح ليصدر في 16/11/2002 تصريح من وزير الخارجية البريطاني يقول ما معناه أنه “ربما يكون تاريخنا مشرفا كثيرا لنا، ولكنه للآخرين ليس كذلك”، الأمر الذي تسابقت وكالات الأنباء لتناقله بوصفه اعتذارا صريحا عن وعد بلفور، ما دفع رئيس الوزراء طوني بلير إلى التصريح في اليوم التالي، ونفي أي اعتذار عن وعد بلفور وأن وزير الخارجية تحدث عن نفسه.. وكل ذلك يقود – وفقا لجبور – لأهمية استغلال الفرص السياسية والبناء على تراكم القرارات الدولية وعدم ترك الجريمة بحق الفلسطينيين تمر أمام المجتمع الدولي، مبينا أن مئوية صك الانتداب لا بد أن تكون أبعد أثرا دوليا.
ودعا جبور إلى أن تكون الذكرى المئوية لإقرار نظام الإنتداب في 24/ 7/ 2022 نقطة مفصلية في مواجهة المشروع الاستيطاني الصهيوني، لافتا إلى أهمية إنشاء مركز دراسات بحثية حول مواجهة الاستعمار الاستيطاني يحمل اسم القائد الخالد حافظ الأسد للدور الكبير والأمانة التي حملها في مواجهة كل اشكال الاستمار الاستيطاني ودعم حركات التحرر على مستوى العالم.
وشدد جبور على أن سورية صمام الأمام للدول العربية وقد لعبت دورا محوريا في التقارب بين العديد من الفرقاء العرب وغير العرب، وفي رأب الفجوات بينها، وتوحيد الصفوف والسياسات لدعم القضايا الكبرى، معتبرا أن الجامعة العربية اليوم تشكلها الإدارة الأمريكية.