اللاذقية.. مكاشفة بصوت مرتفع
مروان حويجة
لم تكن جولة الوفد الحكومي في بساتين وحقول مزارعي اللاذقية محطة عابرة مرّت بعناوين ولقطات سريعة عن الأضرار الحاصلة جرّاء العاصفة فحسب، رغم عنونة الجولة بها للوقوف على آثارها وسبل التخفيف منها، بل توسّعت إلى أبعد من مدى العاصفة بتفاصيلها ومجرياتها ومدتها الزمنية، وهذه الأخيرة – المدة المطوّلة – تمسّك بها المزارعون لأنهم وجدوا فيها حقهم الطبيعي، وفرصتهم للتعبير عن عتبهم وملامتهم للحكومة ومكاشفتها وجهاً لوجه بشهادة حقولهم وزراعاتهم على التقصير في مساعدتهم، وتأمين احتياجات زراعتهم على حساب المردود المفقود.
لم يكن لافتاً فقط خلال الجولة سقف الصوت المرتفع في الحوار المحتدم، بل تبادل إلقاء المسؤوليات والمبررات، وهذه تعدّ سابقة في الجولات الحكومية، إذ لم يتردد المزارعون في مكاشفة زائريهم بعدم جدوى إجراءاتهم وقراراتهم، وانعكاسها على الغلّة والمردود، بل استفحال خسائرهم وتردي زراعاتهم، بل أيضاً لم يكن يتوقع الوفد الحكومي أن يسمع الكلام المخيّب عن عدم جدوى إجراءات تسويق الحمضيات في تحسين الأسعار، والتخفيف من الأعباء، وهنا يأتي ردّ رئيس مجلس الوزراء بأن البيانات الواردة بهذا الخصوص تشير إلى غير هذا، وأن سعر كيلوغرام الحمضيات تحسّن بعد الإجراءات التسويقية، أما المزارعون فكان لهم كلام آخر: “نحن خاسرون”.
اللافت أيضاً أن يكون هناك عتب حكومي على المزارعين، وذلك على مبدأ تقاسم المسؤوليات وعدم حصرها بالجانب الحكومي، فجاء عتب الحكومة وملامتها للمزارعين على تقصيرهم الواضح في خدمة بساتينهم، وعدم العناية بها بالشكل المطلوب لجهة التقليم والتعشيب والتنظيف والحفر حول الشجرة، لأن مثل هذه الأعمال- كما جاء في العتب- مساعدة للفلاح نفسه والمحصول وللجهد الحكومي، وتنعكس أولاً وأخيراً على الإنتاج.
أما الحقيقة التي تريد الحكومة أن يكون المزارع متأكداً منها، وعلى ثقة مطلقة بها، أنه يستحيل التقصير بإيصال أية مستلزمات إنتاجية للمزارع عندما تكون متوفرة، وأن الحكومة لن تدخر جهداً في هذا المجال، سواء من حيث السماد أو البذار أو المحروقات، وغيرها من مستلزمات، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الراهنة، ولأن المعاناة تحاصرهم من كل حدب وصوب، ولأنهم هم من يواجهون الواقع ويتكبدون الخسائر، فقد عاجل المزارعون بالرد على المبررات: “سجّلنا على المازوت الزراعي من العام الماضي ولم نحصل عليه، وهناك ارتفاع كبير في سعر المازوت الحر”، وأكدوا أنهم غير قادرين على تكاليف خدمة أراضيهم من حراثة وتعشيب وتقليم وتسميد إلا بمساعدة ودعم في توفير الاحتياجات والمستلزمات، واعتبروا أنهم دون هذه المساعدة فإنهم “تحت الكسر” لا محالة.
أما استبقاء المزارعين للوفد الحكومي الزائر أطول مدة زمنية في وقفات متتالية ضمن أراضيهم، وتهافتهم على مكاشفتهم بواقعهم الزراعي المتردي دون مجاملة أو محاباة، فهذا ما يشير بوضوح تام إلى أن المزارع مأزوم، ومعاناته كبيرة، وزراعته على غير ما يرام، وأن هذا ما يحتّم التوقف عنده مطولاً وكثيراً من المعنيين على اختلاف مسؤولياتهم، والتحرك دون انتظار لطالما أنه يتكرر التأكيد الحكومي في هذه الزيارة وغيرها من لقاءات واجتماعات بأن الأولوية في الدعم للقطاع الزراعي وللمزارعين.