مصير “التحضيرية” لم يُحسم بعد.. آراء ومقترحات برسم وزارة التعليم العالي..!
انشغل البيت السوري في الفترة الأخيرة بأخبار السنة التحضيرية بعد أن تسربت معلومات عن نية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي البت بأمرها وحسمه لجهة الإبقاء عليها أو إلغاءها، ومع أن ورشة العمل التي أعلنت عنها الوزارة لم تتوصل لأية نتيجة بهذا الخصوص، ما زال الحديث قائماً، خاصة مع اقتراب موسم المفاضلة الجامعية.
مقترحات بنّاءة
في القادم من سطور حاولنا رصد مجموعة من الآراء لعدد من أساتذة الجامعة والمهتمين في محاولة لتقديم جملة من المقترحات والملاحظات حول إيجابيات وسلبيات السنة التحضيرية وذلك من خلال طرح مجموعة من الأسئلة نضع خلاصة الإجابات عنها برسم وزارة التعليم العالي لعلها تساعدها في اتخاذ قرار الحسم.
مأزق السنة التحضيرية
الدكتور ذو الفقار علي عبود /كلية الاقتصاد – جامعة تشرين/ تساءل: لماذا لا يتم إضافة السنة التحضيرية كسنة مستقلة، أي مرحلة تعليمية إضافية وتمهيدية مابين التعليم العام والتعليم العالي، مضيفاً: صحيح أنها ستؤدي إلى كلفة مالية على خزينة الدولة وتزيد في حسابات اقتصاديات التعليم، وتحمّل الجامعات ميزانيات لصيانة وتأهيل المخابر وغير ذلك من أعباء، إلا أنها ستحقق عدة غايات منها: فرز الطلاب من جديد حسب المعدلات، وفك الاختناق الحاصل في الكليات بالسنة الأولى، والمساعدة بدخول الطالب للسنة الثانية وهو مستعد نفسياً وأكاديمياً واجتماعياً.
هام جداً
الدكتورة سبيت سليمان من وزارة التربية أكدت أن النقاش بشأن السنة التحضيرية أمر هام جداً يستحق الدراسة العليمية والتقييم لأنه يطرح مجموعة من الأسئلة حول الهدف منها لجهة مدى قدرتها على قياس القدرات والطاقات الإبداعية الإمكانات المعرفية للطالب، وبرأيها إن تم الاستمرار بها فينبغي أن توضع لكافة الأفرع الجامعية كون كل الاختصاصات تؤثر على بناء الفرد فكرياً ومهنياً وبالنتيجة بناء المجتمع، بالإضافة إلى تعميمها على التعليم في الجامعات الحكومية والخاصة.
ودعت الدكتورة سليمان للثقة بالقدرات والطاقات الإبداعية للطلبة، فبرأيها أن من يجمع علامات أكثر من ٩٠% يجب ألّا يشك بقدراته كونه يحقق معيار التفوق بجدارة، مشيرة إلى الجهود التي تبذلها وزارة التربية في تحصين الشهادات، مؤكدة أن في المدارس السورية معلمين أكفياء وطلاب متميزين مبدعين تمكنوا من حصد الجوائز العالمية في الأولمبياد العلمي الخاص لكافة المواد، واقترحت في حال الإبقاء على السنة التحضيرية أن توضع لها أهداف لإكساب الطلاب مهارات وقدرات وليس امتحانهم بما هم قد امتحنوا به. واقترحت ضرورة وضع معيار الرغبة في الدخول للجامعة وليس الإبقاء على شرط العلامة، كون الاكتفاء بالعلامة لا يكفي لمعرفة الطلبة المبدعين، فالرغبة والموهبة والتميز هما أساس التفوق والإبداع وليس شرط العلامة هو أساس التميز والتمكين.
معالجة الخلل بخلل!
الدكتور فادي عياش يرى أن هناك أمرين يبرران الإبقاء على السنة التحضيرية، الأول يتعلق بالتشكيك بنزاهة امتحانات الثانوية وهذا أسلوب التبرير بالعجز وهو من أسوء الإجراءات، فيما الأمر الثاني يتعلق بمحدودية المقاعد المتاحة للكليات الطبية مقابل حجم الطلب الكبير عليها من قبل الطلاب وأهاليهم بتأثير عوامل مهنية على اعتبار الطب مهنة، عدا عن الدافع الاجتماعي الذي يتعلق بالصورة الذهنية الرفيعة اجتماعياً للطبيب، لذلك تم اللجوء إلى السنة التحضيرية لفلترة الطلاب المتفوقين بطرق غير مشروعة من جهة وتقييد الرغبات بما يتناسب مع عدد المقاعد المتاحة من جهة أخرى.
ويوضح عياش أنه رغم واقعية المبررات لكنها غير منطقية كونها عالجت الخلل بخلل الحلول داعياً لإعادة النظر بأسلوب التقييم المعتمد على امتحان الثانوية، وضبط الامتحانات وضمان نزاهتها وصولاً إلى إلغاء نظام المفاضلة العامة المعمول به والاستعاضة عنه بنظام مفاضلة تخصصي، يعتمد علامات المواد التخصصية بالإضافة إلى الرغبة مع أمكانية اعتماد امتحان تقييم موحد في الاختصاص فقط.
بحث ميداني
الدكتور رامي أمون / أستاذ مساعد – كلية التربية – جامعة تشرين/ أشار إلى أهم المقترحات والتوصيات التي خرج بها البحث الميداني الذي قام به مجموعة من أساتذة الجامعة بخصوص تقييم السنة التحضيرية والتي من أهمها: تعديل نظام السنة التحضيرية وإقرار سنة تحضيرية خاصة بكل اختصاص على حدا، بالإضافة إلى إجراء تعديلات جوهرية على مضمون المقررات التي تدرس سواء النظرية أو العملية، مع تعديل نظام التقويم وكيفية حساب التفاضل بنهاية السنة التحضيرية، إلى جانب اقتراح شخصي قدمه أمون يتعلق بتعميم التجربة على الجامعات الخاصة والتي بالأساس هي الأولى بأن تطبق على طلابها سنة تحضيرية وليس العكس كما يحصل حاليا.
تطبيق المعايير
ويتفق الدكتور يحيى ركاج مع الآراء السابقة لجهة المنهاج المتبع ونمطية الدراسة فيه، والمخرجات المشوهة الناجمة عن امتحانات الشهادة الثانوية، داعياً لإعادة النظر بها، مع ضرورة تطبيق المعايير على كافة التخصصات العلمية، مع التأكيد على المساواة في إخضاع الجامعات الخاصة لمعايير الجامعات الحكومية، والأخذ بعين الاعتبار في أي قرار مستقبلي وضع المخرجات الناجمة عن التسجيل بالجامعات الخاصة في الفترة التي لم تخضع بها لمعايير السنة التحضيرية.
توضيحات وزارية
الدكتور عبد اللطيف هنانو معاون وزير التعليم في رده وتعليقه على ما ورد من آراء أكد أن السنة التحضيرية معيار إضافي للقبول الجامعي في الكليات الطبية ( طب بشري – طب أسنان – صيدلة ) تهدف إلى تحقيق تكافؤ الفرص، مشيراً إلى أنه في كل عام يتم دراسة هذا الموضوع في مجلس التعليم العالي من كافة الجوانب التي تتعلق بآلية القبول، والمناهج والخطة الدراسية، ونظام الامتحانات، والتركيز على الجوانب التطبيقية، لافتاً إلى أن العدد الذي يتم قبوله في السنة التحضيرية مرتبط بالطاقة الاستيعابية للكليات الطبية في الجامعات، ففي كل عام يتم تقريباً قبول 8000 طالب وطالبة (عام وموازي) وهذا العدد قابل للزيادة والنقصان حسب الطاقة الاستيعابية ونتائج الثانوية العامة (إحصائيات وبيانات).
وأوضح معاون الوزير أنه بعد نتائج السنة التحضيرية يتم فرز الطلاب مع التركيز على الفرز إلى كليات الطب البشري بعدد أكبر من الصيدلة وطب الأسنان وذلك لحاجة المجتمع والمشافي إلى هذا الاختصاص لرفده بإعداد مناسبة من الاختصاصيين، وبيّن أن علامة القبول في السنة التحضيرية واحدة في جميع الجامعات (عام وموازي) ويستطيع الطالب الدوام في أي جامعة.
دمج بوزارة واحدة
الدكتورة أنصاف حمد أستاذة المنطق في قسم الفلسفة بجامعة دمشق علقت على كلام معاون الوزير بالقول: ما ورد في حديثكم عن تكافؤ الفرص يطيح به دفعة واحدة عدم وجود السنة التحضيرية في الجامعات الخاصة، وهذا برأيها تمييز صارخ يتعارض مع الدستور ويصب في صالح أصحاب المال سواء كانوا من مالكي هذه الجامعات أو ممن يدرس أولادهم فيها، كما أنه تمييز يقسم السوريين بين من يستطيع أن يدفع ويحصل على ما يريد وبين من لا يستطيع وعليه بالتالي أن يخضع لمعايير إضافية كالسنة التحضيرية لا يخضع لها غيره.
وأوضحت حمد أن الأساس الذي وضعت بموجبه السنة التحضيرية هو لمعالجة خلل عدم ضبط الامتحانات في الشهادة الثانوية وهذا ما يشي بعدم الثقة بها من قبل وزارة التعليم العالي التي تريد امتحان الطلبة على طريقتها الخاصة، من جهة أخرى نجد أن وزارة التعليم وكأن يهمها فقط التخصصات الطبية في الجامعات الحكومية، أما الهندسات وغيرها فليس لديها مشكلة في سوية طلابها وكيف حصلوا على علاماتهم، وهي بهذا تميز بين طلابها أنفسهم، والمفارقة –تقول حمد-: إن دراسة الهندسات والعلوم المحضة هي من يجب أن تأخذ أصحاب أعلى المعدلات وليس الطبيات، ولنا فقط أن نقارن بين ما يدرسه الطالب في طب الأسنان مثلاً، وبين الهندسة المعلوماتية أو المدنية من حيث الصعوبة والحاجة إلى قدرات ذهنية عالية المستوى، إن ما نفعله نحن هو العكس مما تسيير عليه أنطمة التعليم العالي في الدول المتقدمة.
وللخروج من المشكلة أكدت أستاذة الفلسفة أننا بحاجة إلى أمرين أساسيين أولهما، أن تكون وزارة التربية والتعليم العالي وزارة واحدة حتى نضمن التكامل والاتساق في المنظومة التعليمية، والثاني أن يتم العمل على تعيير نظام الثانوية العامة وفقاً لما قامت به معظم دول العالم التي سبقتنا وأحدثت نظامها التعليمي، وباعتقادها أنه من الحكمة إلغاء السنة التحضيرية لأن سلبياتها أكثر بكثير من إيجابياتها بحسب ما أشارت إليه عديد الآراء.
بالمختصر، قدمت الآراء السابقة رسائل هامة لوزارتي التعليم العالي والبحث العلمي، والتربية فيما يخص السنة التحضيرية، وكلنا أمل أن يؤخذ بها حتى نضمن دخول عادل للكليات الطبية وبالنتيجة نحصل على مخرجات تعليمية تخدم مسيرة التنمية وتدعم القطاع الصحي بشكل خاص بكوادر مؤهلة جيداً.
غسان فطوم