هشام كفارنة شاعراً
المتابع لأعماله المسرحية الكثيرة لن يستغرب أن يكون المخرج هشام كفارنة شاعراً، وقد تسلّل الشعر إلى كلّ هذه الأعمال، وتوّج ميلَه للشعر مؤخراً في نقابة الفنانين بتوقيع مجموعته الشعرية “واحكم علي بما تشا” والتي أهداها لأمه: “أمي التي أمضت جزيل حياتها من غير ذنب تطلب الغفران”.
المسرح والشعر
ليست هي المرة الأولى التي يظهر فيها كفارنة شعره للملأ، وهو الذي سبق وأن أصدر مجموعة أولى عام 1987 وكانت بعنوان “قمرٌ حالك الليل المتباطئ” مؤكداً في تصريح لـ “البعث” أن الشعر حياته وعالمه، وهو لا يكتبه مصادفة، فالشعر بالنسبة له يضفي على الحياة شيئاً من الجمال ويُرسل بعض الإشارات للتعاطي مع الحياة بشكل ديناميكي ومختلف بالنظر إلى عمق الأمور وعدم الاكتفاء بملامستها، مشيراً إلى أن من يتابع أعماله المسرحيّة مخرجاً ومُعِدّاً سوف يتلمّس الكثير من الشاعرية فيها، وأغلب النصوص التي تصدّى لإخراجها أو إعدادها كانت موقعة باسم شعراء عالميين كبار، مبيناً أن مجموعة “واحكم علي بما تشا” تضمّ قصائد كتبها على مدى سنوات طويلة، وهي قصائد بسيطة، وموضوعاتها وجدانية ووطنية، وعن الشام والتغزل بها، وقد حافظ فيها على وحدة الأسلوب، مبتعداً عن قصائد النثر والومضات والقصائد العامية التي يكتبها، وهو كمسرحي وشاعر يرى أن الشعر لا يتجلّى فقط في النص وإنما في كلّ العناصر الفنية (ديكور، إضاءة.. إلخ)، أما فيما يتعلق بالمسرحيات الشعرية الصرفة فقد توجّه إلى هذا النوع من المسرح في مسرح الأطفال بالتحديد، وكان آخر عرض له مسرحية “فلة والأقزام السبعة” إخراج بسام حميدي، حيثُ الحوارات فيها مكتوبة بشعر التفعيلة من أوّلها إلى آخرها، إلى جانب تجارب سابقة له كمسرحية “علاء الدين والمصباح”، وقد أُنجِزت هذه الأعمال خارج سورية، وهو اليوم يكتب نصين للأطفال بتكليف من إحدى الجهات، موضحاً أنه ما بين المجموعة الأولى والثانية يكتشف أنه كان أكثر جرأة فيما يتعلق باقتراف عالم الشعر في المجموعة الأولى لأنه كان أكثر حرية وعفوية ويكتب بعيداً عن رقابة الصورة وكيف سيتلقاها الناس، وهذه الجرأة في بناء الصورة والانتقال بين الأزمنة قد لا يتجرأ على فعلها اليوم حيث يضع نفسه تحت الرقابة وهو يحاسب نفسه بحيث يجب أن يكون كلّ حرف في مكانه ورسالته واضحة وجليّة لأن الغموض في الشعر الذي يسعى إليه بعض الشعراء ليبذل المتلقي جهداً لتفكيك بنية القصيدة والوصول إلى المعنى الكامل وما وراء السطور لا يناسب إلا الورق، حيث مع القارئ وقت كافٍ ليفكّر ويحلّل ويفكك، لذلك تبدو قصائده اليوم أكثر سهولة وانسيابية وبساطة، وهو يميل إلى ذلك وخاصةً عندما يذهب الشاعر باتجاه إقامة أُمسيات يجب أن تُلقى فيها القصائد البسيطة والواضحة، منوهاً بأنه لا يوجد شاعر حيادي، فهو حاضر بكليته في هذه المجموعة التي يراها بأنها خلاصة تجربته، أما الحرب فقد تحدّث عنها بشكل آخر حين تحدّث عن الشام وعن السلام والأمان فيها، مبيناً أن الحرب مهما كانت صفتها قذرة إلا الحروب التي تقودها الشعوب من أجل تحقيق تحرير أرضها: “إن الحرب صعبة مُرّة وإن السلم أمن ومسرّة”.
ركنان أساسيان
وأشار د. مهدي دخل الله عضو القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي في تصريح لـ”البعث” والذي حضر توقيع المجموعة أن الفن والأدب ركنان أساسيان في دائرة الوعي، واجتماعهما في شخص واحد قضية مهمّة، مبيناً أن الدراما اعتمدتْ كثيراً على الأدب في تقديم بعض الأعمال، وهذا أمر مهمّ، حيثُ الفن العالمي ارتكز على روايات كبيرة، وكانت هذه الأعمال أفضل أنواع الفن، مؤكداً أن الفن والأدب قاتلا من مكانهما إلى جانب جيشنا في الحرب على سورية.
واجب النقابة
ورأى محسن غازي نقيب الفنانين أن الشعر موهبة استثنائية كما التمثيل والإخراج، وكفارنة يمتلك هذه الملكات وهو متعدّد المواهب، فمنذ وجوده في المعهد العالي للفنون المسرحية كان زملاؤه يتلمسون عنده ميله للشعر والأدب، إضافةً إلى موهبته الفنية في التمثيل، وكفنان كان من واجب النقابة الاحتفاء بما أنجزه كشاعر، وهذا سينطبق على الجميع حيث ستحتفي النقابة بمنجز المبدعين، وهذا من واجبها، لذلك أسعدها أن تُقيم حفل التوقيع وأن يكون الحضور فيه من الفنّانين والمثقفين.
فوضى خلاقة
وأوضح الإعلامي أسامة الشحادة أن كفارنة شخص حسّاس من الطراز الرفيع، وهذه الحساسية هي التي تميّز الفنان سواء أكان روائياً أم موسيقياً أو شاعراً أو مخرجاً، وهو يتميّز بهذه الحساسية المرهفة وإن ادّعى أنه فوضوي إلا أنه منظم من الداخل بطريقة لافتة للنظر، مبيناً أن هذا التنظيم الداخلي ليس للحياة فقط، بل للفكرة وللنغم وللكلمة، وهو وإن كان بدا بمظهر فوضوي لكنّه مهتمّ بشكل الكلمة، وتجربته لم تقتصر على الفكرة فقط، وقد احتل الشكلُ في قصائد ديوانه حيّزاً مُهمّاً في قدرته على كتابة الشعر، وحين يستعين الشحادة ببعض المصطلحات السياسية لا يجد أنسب من أن يقول إن كفارنة يتمتّع بفوضى خلّاقة في داخله الشعري والشاعري.
متذوقو الشعر قلّة
وبيّن سعيد البرغوثي صاحب دار كنعان للنشر والتي تبنّت المجموعة أن الشعر جوهرة تاج اللغة العربية، ولكنها في اغتراب على الرغم من أهميته، وهو يتفق مع من قال إن متذوق الشعر شاعر، لأننا إذا سبرنا الموضوع بشكلٍ عميق سنجد أن متذوقي الشعر قلّة، خاصةً وقد اتّجه الشعر نحو الغموض البهي الذي عندما يفك القارئ أسراره تجتاحه الدهشة.
ومن قصيدة “دمي المنارة” نقتطف:
قلبي تعلق بالغرام الأعظم فعمي زمانا يا شآم وسلمي
إني أتيتك باسطاً سبل الهوى كي تأنسي فتدللي وتنعمي
أشعلت من دمي منارة فاسألي إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
أمينة عباس