اختلال؟
بشير فرزان
تثبت العديد من المشاهد الحياتية حالة الخلل، خاصة لجهة الحقوق والواجبات التي لم تعد كسابق عهدها، فقد رجحت كفة الواجبات على كفة الحقوق، وهذا ما يستدعي ضرورة التغيير المتسارع في أساليب المواجهة وتفعيل التشاركية بكل اتجاهاتها للحدّ من التدهور الحاصل في الحياة المعيشية وإيقاف دولاب الأزمات الذي يهدم جسور الثقة بين المواطن والجهات التي تقع على عاتقها مسؤولية النجاح في الامتحان، وتذليل كل المنغصات التي تتضخم نتيجة غياب المعالجات الحقيقية والفاعلة.
وقد يكون من الخطأ التقليل من الجهود التي تُبذل من قبل المؤسّسة التنفيذية والحكم عليها بأنها بيادر خالية الغلال، كونها لا تحصد النتائج المرجوة منها لضآلة العائدية الاقتصادية التي يمكن أن نتلمّس منها التحسّن المطلوب، ولتعثر الخطوات التي تشكل أهم معيار للأداء المؤسساتي. وهنا لا بدّ من التوقف والتأكيد على فاعلية التواصل الإعلامي في اتجاهين وليس في اتجاه واحد، حيث لا يتمّ الاكتراث برجع الصدى الذي يمثل حقيقة موقف الشارع حيال ما يُتخذ من قرارات أو ما يتمّ تنفيذه على صعيد العمل الحكومي.
ومن المؤسف أن يتمّ تغييب رأي الشارع عن الساحة رغم أهميته في أي توجّه اقتصادي أو معيشي، وخاصة مع ضعف قنوات الاتصال الوزاري مع الناس، وهذا ما يؤدي إلى اتساع الفجوة رغم كلّ ما تقوم به الحكومة. فاليوم المواطن ينتظر من حكومته الكثير من المتطلبات التي غُيّبت بسبب الحرب، وهناك أيضاً ما تمّ تغييبه لعدم القدرة على التعامل مع المستجدات والوقائع بفاعلية أكبر وبقدرة على صناعة قرار قادر على انتشال الحياة العامة من المعاناة، بحيث يكون سابقاً لأي أزمة وليس ناتجاً عنها وقائماً على الارتجالية وعدم الصوابية. وطبعاً كلّ ما يدور اليوم، سواء في أروقة المؤسّسات وقاعات اجتماعاتها أو في أحاديث الناس وعبر وسائل التواصل الاجتماعي يبحث عن الأسلوب أو الطريقة التي يمكن من خلالها ترجمة انعكاس القرارات الحكومية على يوميات المواطن ومعيشته. وهنا، نؤكد على الشفافية والمصداقية كبوابات نشطة لترميم العلاقة والثقة وتقريب وجهات النظر، ومن ثم إيجاد نقاط التقاء توحّد الجهود وتدعم القرارات المتخذة، فأزمة البنزين الحالية كان يمكن استيعابها لو كان هناك شفافية ونضح ووعي في الخطاب الحكومي، فما يقال شيء وما هو موجود في الواقع شيء مختلف تماماً، نظراً للإمعان في التغطية على الوقائع بالتصريحات التي تجلد الحقيقة والناس بسياط الأوهام!!
ولا شكّ أن عودة الطوابير إلى محطات البنزين وانتعاش السوق السوداء التي يباع فيها لتر البنزين بـ 7 آلاف ليرة والمازوت بـ 6 آلاف، أيقظ الشارع على حقيقة أن هناك من يفتعل الأزمات ليجني المليارات التي تذهب إلى جيوب القلة على حساب المجتمع بأكمله. وهنا، لا بد من التأكيد على موضوع إرسال رسائل البنزين الحر بشكل متواتر، بما يلغي مشاهد الطوابير ويحقق العدالة في التوزيع ويخفّف من نشاط السوق السوداء.. فهل تتحرك الجهات المعنية بهذا الاتجاه، أم تبقى في مكاتبها دون أي حراك، وبشكل يعمّق الخلل بين الحقوق والواجبات بما يغيّر قواعد العلاقة بين المواطن والحكومة نحو السلبية التي ستكون خسائرها كبيرة وانعكاساتها ثقيلة على المواطن والمؤسّسات في وقت واحد؟!