بشفافية عالية.. مناقشة الإطار الحكومي للتّراث اللامادي في مكتبة الأسد
يتحدّث النّاقد التّشكيلي سعد القاسم عن إتلاف أرشيف صور كامل لإحدى الصّحف المحلية بجهل شابٍ تسلّم أمانةً لا يعرف قيمتها، وعن مجلّة “هنا دمشق” التي كانت تصدر في الخمسينيات وتحوي أرشيف صور عظيماً أتلف أيضاً عندما احتاج أحدهم خزائنها الفارغة، يضيف: أمثلة كثيرة حول إتلاف التّراث المادي واللامادي لدينا، في فترة من الفترات أهدت وزارة الثّقافة أعمال فنانين تشكيليين سوريين أمثال فاتح المدرّس ولؤي كيالي لوزارة أخرى، وبعد وقت قصير أخبرني أحد الأشخاص بأنّه شاهدها في المستودعات.. لذلك إن أردنا حماية التّراث المادي واللامادي يجب أن نبدأ من المؤسّسات الحكومية.
أمثلة بسيطة تدلّ على أهمية وجود قانون لصون التّراث الّلامادي السّوري أيضاً، وهذا ما كان فعلاً، إذ أُعدّ القانون وتمّت مناقشة قسم منه في مجلس الشّعب لكنّه لم يصدر بعد، وتمّت مناقشة بعض خطوطه العريضة في ورشة العمل الخاصّة التي أقامتها وزارة الثّقافة – مديرية التّراث اللامادي – بمكتبة الأسد مدّة أربعة أيّام تمهيداً لوضع استراتيجية وطنية للتّراث الثّقافي اللامادي في سورية.
وخلال مشاركته في الجلسة الأخيرة من الورشة، وتحت عنوان “الإطار الحوكمي لإدارة ملف التّراث اللامادي في سورية”، قال المستشار القانوني في وزارة الثّقافة بشير عز الدين: يجب ألّا نضع الحصان خلف العجلة، يجب ألّا نناقش الخطة قبل تحديد الجهة المسؤولة عن وضعها.. القانون يقيّد وضع خطّة الصّون التي هي مشروعات وأدوات وأجهزة وحدود ومستلزمات، وبالتّالي فإنّ الإطار التّشريعي الذي يؤكّد أهمية المشروع يعطي الحقّ لممارسي التّراث اللامادي لأن يكونوا شركاء في صونه وحمايته وتسجيله لا مُشرف عليهم، وبالتّالي يلزم بالنّشر ويتيح لهم مراجعة القضاء إن تعرّض تراثهم اللامادي للاعتداء ويلزم الإدارة باحترام التّقاليد، لذلك فإنّ مرجعيات القانون الحوكمية هي قيد على الإدارة وليست امتيازاً، بالتّالي البيئة التّشريعية وتمكينها هي أول حجر أساس بالحوكمة الحقيقية.
لكن هل كوادر مديرية التّراث اللامادي هي المقصودة بالتأهيل، أم هناك دور لجمعيات أخرى؟ سؤال طرحه مقدّم الجلسة عضو مجلس أمناء الأمانة السّورية للتّنمية، فارس كلاس، وأجاب عنه مدير الشّؤون القانونية في مديرية الآثار والمتاحف أيمن سلمان: نحتاج الحوكمة في هذا الملف لأنّها قواعد وأسس وإجراءات تضمن الأداء الفعّال والشّفافية التي تقتضي من أصحاب القرار توضيح سبب اتّخاذ قراراتهم، والعدالة لأنّ مجتمعنا متنوّع وغنيّ ويجب أن يكون جميع الأفراد متساوين في الملف.. مشكلتنا اليوم ليست في إدارة هذا الإرث بل في ثقافة تطبيق القانون والتّنسيق بين الوزارات، والحوكمة تقتضي الانضباط من الهياكل الإدارية، نحن لا نعاني نقصاً في القوانين لكن نعاني انعدام وجود دراسات رجع الصّدى والنّتيجة المتوقّعة له.
ويوضح سلمان العلاقة بين البنية الإدارية وخطّة العمل والأهداف المحدّدة لعمل المديرية واستكمال العمل في إطار الحوكمة: الميزانيات والكوادر البشرية والإدارة المركزية واللامركزية كلّ هذه الأمور الاستراتيجية تجيب عن هذه التّساؤلات وتحدّد السّياسة الثّقافية التي يجب اتّباعها، الخطة تأتي بعد الاستراتيجية والبرامج، ويجب أن تقترن بأسلوب تقييم ومرونة ومتابعة، والمرونة مطلوبة في إدارة الملف وحوكمته لأنّ هناك مسائل في التّراث اللامادي قد لا يسمح بمقاربتها، وهناك أمور لها حساسيتها وخصوصيتها، لذلك الخطوات القادمة هي وضع البرامج والخطط وتأمين الموارد البشرية بإعادة التّدريب والتّأهيل، إذا صدر القانون يجب أن يكون هناك بيئة ناظمة له وتحديد للمديريات في المحافظات أو عدد الأفراد الذين نحتاجهم، وعندما تقرّ الاستراتيجية يجب أن تقرّ من أعلى سلطة فتكون ملزمة لجميع الدّوائر والمؤسّسات المعنية.
بدورها، تحدّثت مديرة التّخطيط والتّعاون الدّولي في وزارة السّياحة المهندسة عهد الزّعيم عن دور الوزارة في التّرويج للتّراث اللامادي: تعاونا مع وزارة الثّقافة ثلاث سنوات وكان هناك ملف خاصّ بالتّراث اللامادي، السّياحة معنية بالتّرويج لكن ليست الوحيدة، ولا بدّ من تعاون وتفاهم وتشارك بالعمل بين السّياحة والثّقافة والجمعيات، ويجب أن نكون مهيئين للقانون الذي سيصدر.
وبالسّؤال عن قدرة المديريات أو الوحدات الإدارية في المحافظات على التّجاوب مع هذه الخطط والتّحديات الني قد تظهر، تجيب الزّعيم: لدينا مديريات سياحة في كلّ المحافظات لكنّها لا تملك الكوادر والأسس للتّطوير والتّرويج.. المديرية العامّة للآثار والمتاحف لها ميزانية خاصّة فيها لتوثيق التّراث المادي، فهل من المعقول ألّا يكون هناك ميزانية للتّراث اللامادي القائم والمستمر والمبنيّ على التّراث المادي؟ النّقص بالكفاءات موجود في كلّ الوزارات، لكن هناك أشخاصاً كثر لديهم ماجستير في التّراث اللامادي يجب دمجهم بهذا العمل.
وحول الفكرة ذاتها، يتحدّث عزّ الدّين: مدير الثّقافة في أي محافظة هو وزير مصغّر، وفي الأصل أول معايير التّراث اللامادي مراعاة المحلية، مضيفاً: القانون يلزم وزارة الثّقافة بوضع خطط صون التّراث اللامادي بالتّنسيق مع الجهات المعنية من مؤسّسات وجمعيات.
لكن ماذا نفعل إن لم يصدر القانون أو تأخّر صدوره؟ يسأل كلاس ويجيبه سعد القاسم: ما حدث حدث، لكن يمكن أن يتدهور الوضع أكثر في حال عدم صدور القانون، وفي حال صدوره سيكون لدينا صعوبة بالغة في توثيق المعلومة النّظرية ليس فقط اللوحات وغيرها، وعلى الرّغم من ذلك نحن بحاجة لقانون يساعد في تشكيل الوعي ومعاقبة من يتسبّب في تدمير هذا التّراث.
وبعد إصغائها للمشاركين والحضور، بيّنت وزيرة الثّقافة الدّكتورة لبانة مشوح: الكلّ مسؤول عن تهيئة المجتمع لفهم وإدراك أهمية التّراث اللامادي، أمّا الهيكلية الإدارية الدّاعمة، فأؤكد أنّ الإدارات غير المركزية في المحافظات هي وزارات مصغّرة وفيها كلّ هيكلية الوزارة التي تمثّلها، وبالنّسبة لمديرية التّراث اللامادي هناك دوائر غير مؤهلة لتحمّل هذا العبء، لكن المديريات الأخرى داعمة لها، وحالياً نقوم بإعداد وتهيئة كوادرها، أمّا الميزانية المستقلة للمديرية فهي أمر مهمّ جداً لتقوم بدورها، ويجب أن تتحوّل إلى هيئة عامّة توازي الهيئة العامة للآثار، لكن لنتريث قليلاً في تعظيم مديرية التّراث اللامادي ونهيّئها التّهيئة اللازمة حتى توازي في أهميتها المديرية العامّة للآثار والمتاحف، الثقل كبير والدّعم الأساس هو دعم سياسي من رئيس مجلس الأمانة السّورية للتّنمية، السّيدة أسماء الأسد، التي تولي أهمية للملف لأنّها معنية بالتّراث اللامادي منذ عشر سنوات، وحصدنا ثمار تلك الجهود في تسجيل بعض العناصر على لائحة التّراث الإنساني.. كلّ الأمور أصبحت واضحة والقانون إطار تشريعي، دعونا لا نفكر في آليات التّطبيق قبل الخطة.
ونوّهت مشوّح بموضوع التّرخيص للجمعيات قائلةً: يصلني من وزارة الشّؤون الاجتماعية طلبات ترخيص لـ”جمعية ثقافية تراثية رياضية تعليمية للتّسلية” وهذا إجحاف بحقّ التّراث والعمل التّراثي وهامش كبير لعمل الجمعيات لا يمكن ضبطه، لذلك لا بدّ من وضع حدّ له بنقل تراخيص “جمعية ثقافية تراثية” إلى الوزارة.
واختتمت الجلسة بمسودّة نتائج وتوصيات شاملة للورشة وعرضتها مديرة مديرية التّراث الّلامادي في وزارة الثّقافة المهندسة رولا عقيلي للنّقاش والتّعديل بمشاركة الحضور، ومن هذه التّوصيات إيجاد إطار تشريعي للعمل الثّقافي اللامادي، ودعم حملة التّراث من أفراد وجماعات، واعتماد التشاركية بين الدّولة والمجتمع، وتوحيد الجهود المعنية بالصّون ودمج التّراث في السّياسة التّنموية العامّة وتعزيز هذا المفهوم في المناهج التّربوية والأكاديمية.
نجوى صليبه