الولايات المتحدة.. صراع على الحكم وانقسام عميق في الداخل
تقرير إخباري:
على وقع الانتقادات المتزايدة للحكومة الأمريكية حول سياساتها الخاطئة فيما يخص تعاطيها مع القضايا الدولية الراهنة، ولاسيما الحرب في أوكرانيا والعلاقة مع الصين وروسيا ومواضيع حظر انتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، تطفو على السطح المشكلات العديدة التي يعانيها الداخل الأمريكي من انتشار كبير للسلاح وازدياد عمليات الجريمة المنظمة وانتشار المافيات والفقر، فضلاً عن التضخم غير المسبوق الذي يضرب الأسواق الأمريكية في الصميم على خلفية سياسة الإدارة الأمريكية الحالية في فرض عقوبات غير مدروسة على سوق الطاقة الروسي والأسمدة، الأمر الذي أدّى إلى تضخم أسعار الوقود والغذاء في الداخل الأمريكي، حيث شعر المواطن الأمريكي بعقم السياسات الأمريكية في هذا الجانب، بالإضافة إلى تزايد الانتقادات في الداخل الأمريكي لشخصية الرئيس جو بايدن نفسها من حيث كونه يعاني من الزهايمر الذي جعله ربما يقع في كثير من الأحيان في زلات لسان، ما دفع مساعديه إلى تزويده بقصاصة ورقية قبل ظهوره في أيّ حديث مع الجمهور.
وقد علّق موقع “CGTN” الأميركي على حادثة شيكاغو الأخيرة، في ذكرى الاستقلال، في افتتاحيته، وأشار إلى أنّ أميركا اليوم “في حالة انقسام عميقة، وتبدّد الوقت في الصراعات على الحكم”.
وعبّر الموقع عن صدمته لأن هذه ليست الحادثة الأولى التي يطلق فيها أميركي النار على مواطنين أمريكيين، واصفاً ما حدث في حادثة “هايلاند بارك” في ولاية شيكاغو، حيث فتح رجل النار بغزارة من بندقية حربية على حشود مواطنيه المشاركين بالحفل، ما أدّى إلى مصرع 6 أشخاص وإصابة أكثر من 36 آخرين بجروح متفاوتة، بأنه هرج ومرج بحق، وهو يتكرر في كثير من الأحيان، ولا تزال عمليات إطلاق النار الأخيرة في أوفالدي، وتكساس، ونيويورك، حية في ذاكرة الناس. وفي شيكاغو، قُتل 17 شخصاً وأصيب أكثر من 100 بالرصاص خلال احتفالات الرابع من تموز في العام الماضي.
إطلاق النار وقع بعد نحو أسبوع من توقيع الرئيس الأمريكي على مشروع قانون مراقبة بيع السلاح، ليشكّل صفعة على وجه المؤسسات السياسية والسياسيين الأميركيين، الذين يوغلون في نزاعاتهم السياسية والصراعات على السلطة، ويعزلون العامة عن عملية صنع القرار في أعلى قمة في الحكم. وفي حين يتحدّث هؤلاء عن حقوق الإنسان في العالم، تعتقد أكثر من نصف النساء الأميركيات في الوقت نفسه، أن حياتهن أصبحت أسوأ من ذي قبل. وكذلك إدارة بايدن أعلنت أن مكافحة تغيّر المناخ أولوية، ولكنها قلصت بالمقابل سلطة “وكالة حماية البيئة الأميركية”.
الصراعات القانونية المتعددة والمتنوعة ليست سوى انعكاس للصراع الأوسع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. ولقد أدّت الهوامش الضئيلة في مجلسي الكونغرس إلى زيادة حدة القتال السياسي بينهما. وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، ركزت حكومة الولايات المتحدة بشكل كبير على خوض المعارك مع العالم بدلاً من إصلاح نفسها.
من دونالد ترامب إلى جو بايدن، أنفقت الإدارة الأميركية المتعاقبة الكثير من الوقت والطاقة على الصين وروسيا والأهداف الجيوسياسية الأخرى، ما ترك الأميركيين يعانون من جهل الحكومة.
من جانب آخر، يُرجّح أن يواجه الأميركيون الأفارقة أكثر من البيض الشرطة بمقدار الضعف. وتُظهر بيانات وزارة العدل الأميركية أن الأميركيين الأفارقة أكثر عرضة للسجن بثلاث مرات من الأشخاص البيض، كما أنّ دوامة التضخم التصاعدية الحالية لا يمكن السيطرة عليها تقريباً، وتتسبّب في تصاعد شرس لأسعار الطاقة والمواد الغذائية بسرعة مهولة.
وقد أعلنت الشرطة الأميركية، اليوم الثلاثاء، أنّها ألقت القبض على مشتبه بإطلاق النار من بندقيّة مستهدفاً عرْضاً لمناسبة يوم الاستقلال في ضاحية هايلاند بارك في مدينة شيكاغو، ما دفع المتفرّجين المذعورين إلى الفرار من المكان.
وبعد ساعات قليلة على الحادث، أعلنتْ وسائل إعلام أميركية إصابة ضابطي شرطة في ولاية فيلادلفيا بإطلاق نار قرب موقع احتشد فيه الآلاف لحضور حفل موسيقيّ وعرض للألعاب النارية لمناسبة يوم الاستقلال.
وقال الرئيس الأميركي: إنّه صُدم من “عنف السلاح الذي لا معنى له، والذي جلب الحزن مجدداً للمجتمع الأميركي” في عيد الاستقلال، مشيراً إلى أنّه تحدث إلى حاكم إلينوي وعمدة هايلاند بارك، وعرض عليهما الدعم الكامل من الحكومة الفيدرالية.
وأوعز بايدن أيضاً إلى القوات الفيدرالية بالمساعدة في البحث العاجل عن مطلق النار، مؤكداً أنّه سيراقب الوضع من كثب.
وعلّقت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي على الحادث بالقول: إنّ “قلوب الأميركيين محطمة بسبب العنف المسلح الذي لا معنى له في هايلاند بارك”، مضيفةً: “مع احتفالنا بعيد الاستقلال، دعونا نجدّد تعهّدنا بألا نلين أبداً حتى يتمكن جميع أطفالنا من العيش في مأمن من الخوف من عنف السلاح”.
وأيّاً يكن ردّ الإدارة الأمريكية على ذلك، فإنه لا يخفي أن المجتمع الأمريكي الآن يعاني من الانقسام الشديد على خلفية قضايا التمييز العنصري وانتشار الجريمة المنظمة والمافيات والسلاح على نطاق واسع، الأمر الذي يمهّد لنشوب حرب أهلية يتخوّف منها الكثير من المحللين السياسيين الأمريكيين، وخاصة مع وجود انقسام شديد على السلطة بين الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة الجمهوري والديمقراطي.
ميادة حسن