إحياء الذكرى الـ 60 لاستقلال الجزائر
تحيي الجزائر، يوم 5 جويلية / تموز 2022، وبشكل متميز، الذكرى الـ 60 لاستقلالها، وذلك بكل ما تحمله هذه المناسبة من فرحة بالنصر المبين، وفخر بتاريخنا المجيد، واعتزاز بأمجادنا وبطولات شعبنا، منذ أن وطأت أرجل المستعمرين أرض الجزائر الطاهرة، في نضال متواصل ضد ليل استعماري حالك استمر لفترة 132 سنة، ذاق فيه الشعب الجزائري كل أنواع الظلم والسلب والقتل والتنكيل والتهجير وطمس لمقومات الجزائر التاريخية والحضارية.
وإنها لمناسبة غالية من شأنها تذكير أجيال الاستقلال بواجب التقدير والوفاء والعرفان لشهدائنا الأبرار الذين حافظوا على عهدهم وضحوا بأعز ما يملكون، فأناروا لنا بدمائهم الطاهرة الطريق نحو العزة والكرامة، واستلهمنا من نضالهم تلك العبر والقيم السامية التي طبعت مسيرة شعبنا والتي جعلتنا أكثر تعلقا بالوطن، مدافعين عن مصالحه ووحدته واستقلاله، رافعين من شأنه ومكانته، ومحافظين على هويته ومقدساته.
ولإبراز هذه الذكرى وغيرها من معالم تاريخنا المجيد الحافل بالانتصارات، وضع رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، موضوع الذاكرة على رأس أولويات برنامجه، وقرر جعل الثامن من شهر مايو (أيار) من كل سنة يوما وطنيا للذاكرة، مع إطلاق “برنامج الذاكرة الوطنية”، إلى جانب إنشاء قناة تلفزيونية تعنى بالذاكرة الجماعية للشعب الجزائري وتاريخه، داعيا المؤرخين إلى استجلاء جميع جوانب محطات التاريخ النضالي للشعب الجزائري في ذاكرة الأمة، إنصافا لحق الأجيال الصاعدة في معرفة ماضيها بأدق تفاصيله.
كما يواصل الرئيس عبد المجيد تبون، بقوة وبخطوات مدروسة، تشييد الجزائر الجديدة التي يتطلع إليها كل الجزائريين، والتي قطعت أشواطا في مسار الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال تنظيم استفتاء على مشروع تعديل الدستور (1 /11 /2020)، ووضع أسس لنظام سياسي ديمقراطي يكفل حماية الحقوق والحريات ويحقق التوازن بين مختلف السلطات ويضمن أخلقة الحياة العامة، وانبثق عن الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت يوم 12 /6 /2021، مجلس شعبي وطني بتشكيلة جديدة، كما أدلى الجزائريون (27 /11 /2021) بأصواتهم في انتخابات محلية لتجديد المجالس البلدية والولائية، في آخر محطة في مسار تجديد المؤسسات المنتخبة، وشرع السيد الرئيس تبون في لقاءات مع قادة وممثلي أحزاب سياسية، والتأسيس بذلك لحوار وتعاون وثيق بين مكونات الطبقة السياسية والقوى الحية في المجتمع، وبناء جبهة داخلية قوية، كما يولي الرئيس تبون أهمية كبيرة للنهوض بالاقتصاد الوطني، حيث تمكنت الجزائر من رفع مستوى صادراتها خارج المحروقات، وتشهد أوضاعها المالية تحسنا يبعدها عن الاستدانة، مع تحسن مستوى احتياطها من العملة الصعبة.
وفي سياق التحولات التي يعرفها العالم، نجحت الدبلوماسية الجزائرية في تكريس مكانتها الدولية من خلال سلسلة الإنجازات التي تحققها، وظلت الجزائر متمسكة بالمبادئ العامة لسياستها الخارجية القائمة أساساً على مبدأ احترام استقلال وسيادة الدول الأخرى، ومبدأ عدم التدخل في شؤونها الداخلية، ومبدأ حل الأزمات والنزاعات والمشاكل بالطرق السلمية والحوار والمصالحة بعيداً عن الحلول العسكرية والأجندات الخارجية، مركزة في ذلك على العمل المتعدد الأطراف، والدور المحوري لمنظمة الأمم المتحدة، وجهود العديد من المنظمات الإقليمية، في التوصل إلى الحلول السياسية للمشاكل والتحديات التي تواجه دول العالم.
إن الجزائر المستقلة التواقة دوما للحرية، ستواصل دعمها للقضايا العادلة، فالجزائر تؤكد أن قضية الصحراء الغربية هي من صميم مسؤولية الأمم المتحدة باعتبارها مسألة تصفية استعمار، وتعتبر أن حلها لا يمكن إلا عبر تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه الثابت وغير القابل للتنازل في تقرير المصير، كما أن الجزائر على قناعة أن وحده الحل القائم على الشرعية الدولية والاعتراف بالحقوق الوطنية الغير قابلة للتنازل للشعب الفلسطيني، يضع حدا نهائيا للصراع في منطقة الشرق الأوسط.
وإنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن نحيي هذه الذكرى على أرض سورية العروبة، وأن نتوجه بالتحية إلى أشقائنا في ربوع سورية العزيزة، قيادة وشعبا، لما قدموه من مساندة في سبيل نيل الجزائر لاستقلالها الذي جاء تتويجا نضاليا لمقاومات شعبية متعاقبة منذ أن وطأت أرجل الاستعمار أرض الجزائر، وعلى رأسها مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري الذي أغنت مآثره البطولية والفكرية والإنسانية الحضارة العالمية، وعززت إقامته في بلاد الشام من الرصيد التاريخي للعلاقات الجزائرية – السورية التي اتسمت دوما بالتميز بما تعرفه من تلاحم شعبي، وحرص متواصل من قبل القيادتين في البلدين على تعزيز جسور التواصل والتشاور والتنسيق بينهما، والرغبة الصادقة والمشتركة للجانبين في مواصلة البحث عن كل فرص الشراكة المتاحة في سبيل دعم العلاقات الثنائية وإثرائها في مختلف المجالات، وهي المهمة التي تضطلع بها اللجنة المشتركة للتعاون التي عقدت عدة دورات على المستوى الوزاري، واتخذ البلدان في ما بعد خطوة متقدمة برفع هذه اللجنة إلى مستوى اللجنة العليا المشتركة للتعاون، برئاسة رئيسي حكومتي البلدين، والتي أغنت دوريتها الأولى والثانية الإطار القانوني للعلاقات بين البلدين بعدد معتبر من الاتفاقيات والبروتوكولات ومذكرات التفاهم والبرامج المختلفة، غطت قطاعات اقتصادية وثقافية عديدة، يعمل البلدان على تفعيلها خدمة لمصالح الشعبين الشقيقين وتطلعهما إلى مزيد من التعاون والتلاحم والتضامن.
وإنها لمناسبة طيبة نشيد فيها بمكانة آل الجزائري والجالية الجزائرية في سورية، حيث لعب أولاد الأمير عبد القادر وأحفاده وإخوته أدوارا محورية بتاريخ دمشق والمنطقة، وتفاعل الجزائريون الذين عاشوا في سورية مع أحداث هذا البلد الشقيق، وانخرطوا بحياته الاجتماعية والثقافية، فتـأثروا بالمجتمع السوري المضياف وأثروا فيه، وأصبح الاندماج التام بين الجزائريين والسوريين هو الصخرة المتينة التي قامت عليها العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، والتي تجلت في الدعم السوري للثورة التحريرية المجيدة في الجزائر، ودعم الجزائر للجهود الأممية الرامية لحل الأزمة في سورية، بالحوار بين السوريين، دون أي تدخلات أجنبية، وبما يضمن سيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية، وتطلع الجزائر إلى استعادة سورية لدورها العربي والإقليمي والدولي.
إن ذكرى استقلال الجزائر، ذلك الحدث الذي طبع القرن العشرين، ستظل راسخة في ضمير ووجدان الشعب الجزائري، وفي ذاكرة الشعوب المحبة للحرية والتواقة إلى العزة والكرامة، وإحياء الذكرى يحمل كل معاني الترحم على أرواح شهدائنا الأبرار، وعرفانا لمجاهدينا ومجاهداتنا الأشاوس على ما قدموه من تضحيات جسام في سبيل الحرية والكرامة.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
عاشت الأخوة الجزائرية – السورية.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
سفير الجزائر بدمشق.. السيد لحسن تهامي