السفير عطية: ما تعرّضت له سورية داخل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية يثير التساؤلات حول قدرة الأخيرة على الاضطلاع بمهامها
أكد السفير ميلاد عطية المندوب الدائم للجمهورية العربية السورية لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أن ما تعرّضت له سورية خلال السنوات الماضية داخل المنظمة يثير تساؤلات جدية حول قدرة المنظمة على الاضطلاع بولايتها بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية، حيث يجري استخدامها كأداة لتنفيذ أجندات سياسية لبعض الدول الغربية ضد دول أطراف في الاتفاقية.
وقال عطية في بيان ألقاه خلال جلسة افتتاح الدورة الـ100 للمجلس التنفيذي للمنظمة في لاهاي أمس: “لقد رحبت سورية هذا العام بالذكرى الخامسة والعشرين لدخول اتفاقية الأسلحة الكيميائية حيّز النفاذ باعتبارها أول اتفاق متعدّد الأطراف للقضاء على فئة من أسلحة الدمار الشامل، وانطلاقاً من إيمانها العميق بأن هذه الاتفاقية تشكل أول آلية متعدّدة الأطراف لنزع السلاح في العالم وتنصّ على القضاء على فئة كاملة من أسلحة الدمار الشامل بقيادة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تتمثل مهمّتها في تنفيذ أحكام هذه الاتفاقية”.
وأضاف عطية: “ما يدعونا للأسف أنه ومنذ عام 2018 يجري استخدام منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الهيئة المكلّفة تنفيذ أحكام اتفاقية الأسلحة الكيميائية كأداة لتنفيذ أجندات سياسية لبعض الدول الغربية ضد دول أطراف في الاتفاقية، حيث استغلتها تلك الدول المعروفة لتوجيه الاتهامات الباطلة واتخاذ قرارات ظالمة تخالف بشكل واضح نصوص الاتفاقية مستخدمة أساليب الهيمنة والابتزاز وممارسة الضغوط وتمرير قرارات عبر التصويت، وبات الخوف جدياً على مستقبل هذه المنظمة وأهدافها الفنية السامية في حال الاستمرار بهذا النهج، إضافة إلى حالة الاستقطاب والانقسام التي تعيشها المنظمة”.
وقال عطية: “يأسف وفد بلادي لإقحام هذه المنظمة الفنية مجدّداً بقضايا جيوسياسية وأمنية ذات طابع إقليمي ودولي وحرفها عن الأهداف التي أنشئت من أجلها”، مضيفاً: “الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية تكرر مع الاتحاد الروسي السيناريوهات ذاتها التي استخدمتها مع سورية طوال السنوات العشر الماضية، حيث تقوم بالتشجيع على فبركة مسرحيات استخدام أسلحة كيميائية أو التحضير لاستخدام تلك الأسلحة لاتهام القوات الروسية بها كما كانت تفعل مع الحكومة السورية لتنتقل بعد ذلك إلى توجيه اتهامات باطلة لا أساس لها للقوات الروسية خلال العملية العسكرية الخاصة التي تقوم بها روسيا حالياً في أوكرانيا دفاعاً عن أمنها ومواطنيها”.
ولفت إلى أن تلك الدول تجاهلت كل ما قدّمته روسيا من معلومات موثقة وأدلّة على ما تقوم به القوات الأوكرانية بدعم من الدول الغربية وأطراف أخرى للتحضير لمسرحيات استخدام أسلحة كيميائية في أوكرانيا لاتهام القوات الروسية بها.
وأكد عطية أن من حق روسيا الاتحادية المشروع الدفاع عن أمنها القومي واستقلالها واستقرارها وسلامة ووحدة أراضيها وإبعاد الأخطار الاستراتيجية المحدقة عن شعبها ومواطنيها، لافتاً إلى أن موقف سورية المؤيد للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا كان وسيبقى قائماً على اعتبارات ومبادئ سياسية وأخلاقية وقانونية راسخة.
وتابع: المطلوب من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها اليوم التوقف عن موقفها العدائي المتشدّد ضد روسيا ودفعها باتجاه إستراتيجية المواجهة المتهوّرة وأخذ مصالح الاتحاد الروسي الاستراتيجية بعين الاعتبار، مضيفاً: بالنتيجة ترى سورية أن من يتحمّل مسؤولية الفوضى والدماء هي الدول الغربية نتيجة سياساتها التي تهدف إلى السيطرة على الشعوب الأخرى في أوكرانيا وفي أماكن مختلفة من العالم واستمرار تلك الدول بفرض إجراءات قسرية اقتصادية أحادية الجانب لا أخلاقية وإرسال كل أنواع الأسلحة والمرتزقة (بمن فيهم إرهابيون كانوا في سورية) إلى أوكرانيا دون أي حسابات، مبيّناً أن آخر من يحق له الحديث عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول هم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من الدول الغربية، فالتاريخ الحديث والمعاصر يشهد على أعمال العدوان والغزو والتدخل التي قاموا بها والتي شرّدت وقتلت ملايين الضحايا الأبرياء في دول عديدة في هذا العالم، وتابع: “لا ننسى ما قاموا به في سورية ويقومون به الآن، فهناك آلاف الضحايا بسببهم، ودمّروا البنى التحتية ودعموا الإرهاب وفرضوا إرهاباً اقتصادياً منذ عام 2011 حتى الآن”.
وأشار عطية إلى أن سورية انضمّت إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في عام 2013 طواعية وبحسن نية إيماناً منها برفض استخدام الأسلحة الكيميائية من أيّ كان وفي أيّ مكان وتحت أي ظرف، ونفذت سورية بأمانة ومصداقية قرارها السيادي بالانتهاء من الملف الكيميائي السوري، وتم ذلك بالفعل وخلال وقت قياسي وأنجزت ما لم تنجزه بعض الدول المنضمة قبلها إلى الاتفاقية بسنوات عديدة رغم الظروف الصعبة والمعقدة جداً التي مرّت وتمر بها سورية، مضيفاً: “لكننا نقول بكل أسف: إن ما تعرّضت له سورية خلال السنوات الماضية داخل المنظمة أثار تساؤلاً جدياً لدينا حول قدرة المنظمة على الاضطلاع بولايتها بموجب الاتفاقية ومدى قدرتها على الصمود أمام الضغوط التي تتعرّض لها من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، لأن المنظمة قد تحوّلت إلى أداة للتلاعب السياسي أبعدتها عن مهنيتها وبالتالي مصداقيتها، وخاصة النهج الذي تتبعه الدول الغربية بتمرير القرارات في أجهزة صنع القرار في المنظمة عبر التصويت وتغييب التوافق وعدم احترام آراء الدول الأخرى.
وقال عطية: في ضوء ذلك فإننا نشعر بالقلق البالغ إزاء الحالة التي وصلت إليها الأمور، حيث أصبح مطلوباً وقف هذا الانحدار المستمر في مسار عمل المنظمة والشروع بشكل جاد وعاجل في تصحيحه للعودة بها إلى تنفيذ ولايتها المنوطة بها.. ورغم الظروف الصعبة التي تمر بها سورية نتيجة الحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية متمثلة بالإجراءات القسرية الأحادية الجانب غير الأخلاقية وغير الإنسانية المفروضة عليها والتي انعكست بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين السوريين، إضافة إلى تفشي وباء كوفيد 19، لم تتوقف سورية عن التعاون التام مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وأمانتها الفنية وفرقها في إطار تنفيذ التزاماتها.
وأوضح عطية أن سورية واجهت حملة غير مسبوقة تاريخياً من التشكيك والاتهامات الباطلة بعدم التعاون مع المنظمة وأمانتها الفنية، وقال: إن سلوك تلك الدول يتناقض بشكل صارخ مع نصوص الاتفاقية ومع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وما هو إلا محاولة لتوظيف المنظمة وما تبقى من الجوانب الفنية في الملف الكيميائي السوري لخدمة أغراضها السياسية المتمثلة بممارسة الضغوط على سورية، ومع كل ذلك فقد استمرت سورية في تعاونها الإيجابي التام مع المنظمة والتزمت بحوار منظّم مع فريق تقييم الإعلان من خلال جولات المشاورات التي بلغت 24 جولة بهدف إنهاء ما تبقى من مسائل فنية عالقة.
وأشار عطية إلى أنه كان لافتاً ما جاء مؤخراً في تقارير الأمانة الفنية للمنظمة من اتهامات باطلة لا أساس لها والتي أشارت فيها إلى أن سورية تعرقل عمل الأمانة الفنية وأنها لا تريد عقد جولة المشاورات رقم (25) بين خبراء اللجنة الوطنية وفريق تقييم الإعلان، بينما الحقيقة هي أن “سورية رحبت بكل ما اقترحته الأمانة الفنية انطلاقاً من حرصها الأكيد على إنهاء ملف المسائل العالقة وعبرت عن ترحيبها ورغبتها الجدية بطي هذا الملف إلى غير رجعة”.
وأضاف: “لقد بات حقاً لسورية أن تعلن أن من يعرقل عقد جولة المشاورات (25) وحل المسائل العالقة هو الأمانة الفنية للمنظمة ومن يملي سياساته من دول معروفة ضد سورية، وخير دليل على ذلك موافقة سورية على كل ما اقترحته الأمانة الفنية لعقد هذه الجولة في دمشق ولاهاي وبيروت مع تأكيدها لحقها السيادي في طلبها المشروع استبدال أحد خبراء هذا الفريق بأي خبير آخر تراه الأمانة مناسباً”.
وتابع عطية: لقد عبّرت سورية ومعها العديد من الدول في أكثر من مناسبة عن ملاحظات موضوعية تخص عمل بعثة تقصي الحقائق، ومع كل ذلك تعاونت مع فرق هذه البعثة وقدّمت لها كامل التسهيلات المطلوبة لإنجاح مهماتها، وقد فشلت هذه البعثة في أكثر من اختبار والأدلة على ذلك واضحة لجميع الدول الأطراف، وقد ثبت انحيازها وعدم مهنيتها وتزويرها للحقائق في أكثر من تقرير أصدرته ومن أمثلة ذلك تقرير حادثة خان شيخون (2017) وحادثة حلب (2018) وحادثة سراقب (2018) وحادثة دوما (2018) وتقرير حادثة كفر زيتا (2016)، مشيراً إلى أن مثل هذا النهج لن يفضي إلى نتائج واستنتاجات نزيهة وموضوعية.
وقال عطية: نؤكد في هذا الإطار ضرورة تجاوز البعثة للعيوب المرتبطة بنهج وطرائق عملها واحترامها لأحكام الاتفاقية والالتزام بالمعايير المهنية ووثيقة الشروط المرجعية التي جرى الاتفاق عليها مع سورية.. كما ترى حكومة بلادي أنه وبعد كل هذه الفضائح المهنية بات من غير المقبول السكوت على استمرار بعثة تقصي الحقائق بالعمل وفقاً لتلك الطرائق الخاطئة، حيث إن كيل المديح لتقارير هذه البعثة ومهنيتها ونزاهتها من بعض الدول المعروفة يندرج في إطار استخدام تقارير هذه البعثة لممارسة المزيد من الضغوط على سورية والتغطية على جرائم الإرهابيين وذراعهم جماعة (الخوذ البيضاء) في هذا المجال.
وأكد عطية أن سورية لا تزال على موقفها الثابت من “فريق التحقيق وتحديد الهوية منقوص الشرعية”، ولهذا فإنها إلى جانب دول أخرى لا تعترف بشرعية هذا الفريق وعمله وترفض أي مخرجات صدرت أو تلك التي ستصدر عنه مستقبلاً انطلاقاً من احترامها وتقيّدها والتزامها بنصوص اتفاقية الأسلحة الكيميائية.
وقال عطية: “يشكّل اتساع رقعة التهديدات الإرهابية الكيميائية تهديداً جدياً للأمن والسلم الدوليين ولا توجد دولة في مأمن من هذا التهديد الخطير.. وفي هذا السياق تؤكد سورية أن سلوك بعض الدول الأطراف في التغطية على جرائم وممارسات المجموعات الإرهابية في سورية شجّع أولئك الإرهابيين على ارتكاب المزيد من الجرائم البشعة بحق المواطنين السوريين بما في ذلك استخدام مواد سامة طوال السنوات التسع الماضية، وقد دأبت سورية باطلاعكم على استمرار المجموعات الإرهابية وجماعة “الخوذ البيضاء” الإرهابية بالتحضير لمسرحيات استخدام الأسلحة الكيميائية وخاصة في أرياف محافظات إدلب وحلب وحماة واللاذقية لاتهام الحكومة السورية بها”.
وأضاف عطية: تؤكد سورية في هذا السياق أن تحقيق عالمية اتفاقية الأسلحة الكيميائية يمثل خطوة مهمة جداً في ضمان إقامة نظام عالمي فعال ضد الأسلحة الكيميائية، إلا أن هذا الأمر لن يتحقق من دون إلزام الاحتلال الإسرائيلي بالانضمام إلى هذه الاتفاقية ووضع أسلحته النووية والكيميائية والبيولوجية تحت الرقابة الدولية، وما يدعو للأسف أن دولاً تدّعي حرصها على عدم انتشار الأسلحة النووية تعيق أي مسعى لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط من أجل حماية “إسرائيل” وإبقائها خارج أي رقابة دولية على منشآتها النووية والكيميائية والبيولوجية.
وقال عطية: إن سورية لطالما دعت إلى التعاون الدولي لمواجهة القيود غير الشرعية التي فرضتها بعض الدول المعروفة على نقل التكنولوجيا العلمية للأغراض السلمية إلى الدول النامية وإخضاعها لإجراءات أحادية قسرية غير شرعية ضد بعض الدول الأخرى بهدف منعها من تحقيق التنمية الاقتصادية والعلمية لشعوبها ومنعها من استخدام الكيمياء للأغراض السلمية في مخالفة صريحة لأحكام الاتفاقية وللقانون الدولي.
وختم عطية بيانه بتأكيد حرص سورية على استمرار تنفيذ التزاماتها بموجب انضمامها إلى الاتفاقية والتعاون مع المنظمة في جوّ تسوده الثقة المتبادلة والالتزام بمعايير النزاهة والحياد وعدم الخضوع لنهج الضغوط والتسييس الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون بهدف التأثير في عمل المنظمة وتجييرها لتحقيق مصالحها السياسية.
حضر أعمال الدورة الدكتور لؤي العوجي نائب المندوب الدائم للجمهورية العربية السورية لدى المنظمة.
وكانت الدورة الـ100 للمجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بدأت أعمالها أمس في لاهاي بحضور 41 دولة أعضاء في المجلس التنفيذي.