“أيام العيد”.. حضور افتراضي ولقاءات فيسبوكية والمعايدات عبر الواتس آب!
دمشق- محرر المحليات
كل عام تتكرّر صور العيد في مخيلة جيل الثمانينيات والتسعينيات، حيث تتزاحم تلك المشاهد البسيطة بكل ما فيها من سعادة تؤرخ لحياة زاخرة بالحب والجمال والعطاء والمودة والرخاء المعيشي رغم بساطته، فقد كانت الفرحة مرسومة على وجوه الناس والأطفال في الأعياد التي كانت في الماضي ذات حضور حقيقي في المجتمع، فالتحضيرات تبدأ قبل حوالي أسبوع لكل عيد، وتتوزع الألعاب في كل مكان، أما اليوم وللأسف لم يبقَ من هذه المظاهر إلا أيام يسمّونها “أيام العيد” التي فقدت بهجتها وباتت خاوية من كل الأجواء، حتى الأسواق التجارية لم تعد عامرة بالناس ولا بموسم الأعياد، وقد يعود ذلك للوضع الاقتصادي الصعب الذي نعيشه ويلعب دوراً في هذا الإطار، وألعاب الأطفال تغيّرت وأصبحت التكنولوجيا هي المسيطرة اليوم على عقول الأطفال، وبات الكبار والصغار يمضون معظم أوقاتهم مع الموبايل، ويتواصلون من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ويعايدون بعضهم عبر الرسائل الهاتفية و بـ”الواتس آب”، فتقلصت الروابط العائلية، واندثرت كل العادات التي كنا نستقبل بها العيد سابقاً!.
معظم من التقيناهم من الأهالي يشعرون بالحنين لتلك الأيام التي تهبّ فيها رياح الأفراح والبهجة، وتبدأ الزيارات والمباركات لبعضهم البعض، فالتغيير الذي نشهده اليوم في ممارسة طقوس العيد يجدونه بلا طعم ولا لون، فالناس قديماً كانوا يحضرون للمناسبة قبلها بأيام بالتأهب وذبح الذبائح وجلب الحلوى للأطفال، إلى جانب الاستعداد للفرح وتجهيز مكان يجتمعون فيه ليتبادلوا أطراف الحديث، أما اليوم فكل شيء مرهون بالشبكة التي تجسّد الحضور من خلال بواباتها في عالم افتراضي غير مدعم بالعلاقات الاجتماعية الحقيقية، هذا عدا عن المعايدات عبر الواتس دون أي مشاعر أو عواطف بل مجرد كلمات عابرة من بوابة الواجب ورفع العتب.
وفي تحديد للفوارق بين العيد في الماضي والحاضر، رأت الدكتورة منى السليم أن فرحة العيد لم تعد كسابق عهدها وخاصة بعد سنوات الحرب وفي هذه الظروف الاقتصادية الصعبة من كل النواحي، ففي السابق كان الناس ينتظرون العيد بفارغ الصبر، وبلهفة الشوق التي ترتسم على وجوه الرجال والشباب والنساء والأطفال، ولكن لا يمكننا إلقاء اللوم على الجيل الحاضر فكل عيد له بهجته بأصحابه ومكانهم، ولكلّ جيل رغباته الخاصة، وليس بالضرورة أن يكون الجيل القديم هو الأفضل أو العكس فالحياة متغيّرة. وأشارت إلى أنه من الممكن أن تنضم الأجيال القديمة إلى الحديثة ويصبح هناك تواصل للأجيال وليس انقطاعاً، ولكن من المهم أن يظل للعيد معنى ولو بمعنى مختلف، مؤكدة ضرورة أن يكون هناك تجديد دائم وتعزيز أواصر التكافل الاجتماعي والتواصل الأسري كسابق عهدها، حيث كانت قوية جداً يسودها الحب والوئام والمحبة، وحب الخير للجميع، فتجد الجميع يسأل عن جيرانه وأقربائه وأصدقائه في أجواء تغمرها الألفة والوئام، عكس ما هو واقع المجتمع اليوم الذي يعيش الأهل مع بعضهم كالغرباء فيما بينهم، إذ أثقلتهم الحياة الحديثة وهموم الواقع المعيشي والأعباء الحياتية وأبعدتهم عن بعضهم البعض.