العلاقات الروسية الصينية تتحدى بروباغندا الغرب
سمر سامي السمارة
تواصل الدول الغربية منذ سنوات محاولاتها زعزعة العلاقات الروسية الصينية، لكن جنونها بلغ ذروته عندما بدأت روسيا عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا في أواخر شباط 2022، حيث اعتبر الكثير من السياسيين ووسائل الإعلام الغربية أن هذه الحرب هي بداية نهاية العلاقات الصينية الروسية.
فقد زعم تقرير في صحيفة “نيويورك تايمز” يسَوق لفكرة وجود خلافات بين الصين وروسيا، أن الصين وروسيا تتنافسان على النفوذ في آسيا وأماكن أخرى، ولدى كل منهما استراتيجيات دبلوماسية مختلفة اختلافاً جوهرياً عن الأخرى. وبدورها، نشرت مجلة “فورن أفيرز” الأمريكية، مقالاً حول تدهور العلاقات الصينية الروسية في أعقاب الحرب في أوكرانيا، لأن الحرب في أوكرانيا وضعت الصين في وضع “محرج”، بحسب تقرير مجلس العلاقات الخارجية.
في الحقيقة، تعكس وسائل الإعلام الغربية رغبات صانعي القرار الغربيين، وليس واقع الحال، فقد ثبت أن هذا الاستنتاج خاطئ، لأنه لم يأخذ في الحسبان أن العلاقات بين روسيا والصين مدعومة بنظرة عالمية مشتركة، وهي وجهة نظر تدعمها التوقعات الأمريكية المستمرة حول روسيا والصين كقوتين “تعديليتين” عازمتين على تفكيك النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
هنا يتساءل مراقبون: لماذا ستتدهور علاقاتهما إذا كانت الصين في اتفاق كامل مع روسيا بشأن ضرورة مقاومة التوسّع الأمريكي عسكرياً، أو غير ذلك من خلال عولمة الناتو؟.
في الواقع، بينما يواصل العديد من النقاد السياسيين والإعلاميين في الولايات المتحدة توقع التدهور، تواصل واشنطن صبّ الزيت على النار لتعزيز هذه الرواية. وفي الطرف الثاني، لطالما اعتبرت الدول الأوروبية بكين “خصماً”، إلا أن الرؤية الإستراتيجية الجديدة لحلف شمال الأطلسي نظرت إلى الصين كـ”تهديد”، وبذلك توضع الصين للمرة الأولى في مصاف الدول “العدوة”، ويعود ذلك بالطبع إلى محاولات واشنطن بناء تحالف عالمي ضد الصين، حيث أصبحت أوروبا الآن في حالة انسجام تام مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من خلافاتهما أوجدت أوروبا والولايات المتحدة أرضية مشتركة في مواجهة كلّ من روسيا والصين، فلماذا لا تستطيع الصين أن تفعل الشيء نفسه؟.
لقد أوجدت الصين وروسيا بالفعل أرضية مشتركة تبدو دائمة ومتينة، وحتى “راسخة” في مواجهة التحالف الغربي، وهذا ما اعترف به وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر. فقد شكّلت المحادثة الهاتفية التي جرت في 15 حزيران 2022 بين الرئيس فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ أحد المظاهر الرئيسية لاكتساب التحالف الروسي الصيني طابع الديمومة، حيث تحدث كلا الزعيمين عن أهمية وضرورة العلاقة القائمة على رؤية إستراتيجية مشتركة، وأهداف مشتركة أكثر وضوحاً، تاركةً الغرب يتساءل عن عمق ومدى هذا التحالف الذي وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، حيث اتفق الطرفان على تعزيز التعاون الثنائي، فضلاً عن القطاعات الأخرى، مثل القطاع المالي، للتصدي للعقوبات المالية المصرفية الغربية على موسكو، وقطاع الطاقة لمعالجة مبيعات النفط والغاز الروسية، كما اتفقا على العمل المشترك من أجل خلق عالم “متعدد الأقطاب”.
أكدت النسخة الصينية من هذه المحادثة أيضاً استعداد بكين للعمل مع روسيا لمواصلة دعم كلّ منهما للآخر المتعلقة بمصالحهما الجوهرية، مثل السيادة والأمن، فضلاً عن اهتماماتهما الرئيسية، وتعميق التنسيق الاستراتيجي بينهما، وتعزيز الاتصال والتنسيق في المجالات الأخرى ذات الاهتمام المشترك.
لا يقتصر هذا الدعم المتبادل على موقفهما المشترك المعادي للولايات المتحدة، حيث تكمل الصين وروسيا بعضهما البعض بطرق أخرى. على سبيل المثال، في حين أن الصين هي مركز إنتاج رئيسي، فإنها تحتاج من الناحية الاقتصادية إلى إمدادات الطاقة الروسية، وهي الإمدادات التي تشكل جزءاً مهماً من الاقتصاد الروسي. ففي أيار 2022، ارتفعت واردات الصين من النفط الروسي إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، حيث سجلت زيادة بنسبة 55 في المائة، ووصلت إلى 1.98 مليون برميل يومياً. وبالمثل، زادت إمدادات الغاز الروسي إلى الصين بنحو 60 في المائة في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2022.
تخدم الجغرافيا السياسية المحيطة بالطاقة روسيا والصين بقدر ما تخدم مقاومتهما المشتركة ضد الغرب. لذلك، على عكس التوقعات الغربية بأن الحرب الروسية الأوكرانية ستفكك العلاقات الروسية الصينية، كان للحرب تأثير معاكس على علاقتهما، حيث يُظهر شراء الصين المستمر للنفط والغاز الروسي كيف أن بكين في الواقع، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر، تساعد روسيا للتصدي لحرب العقوبات الأمريكية والإمدادات العسكرية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات لأوكرانيا.
من الواضح، أن السبب وراء دعم الصين المستمر لروسيا في عمليتها العسكرية، هو ثقتها بأن استمرار الحرب في أوكرانيا بسبب الإمدادات الأمريكية لأوكرانيا وعدم اعترافها بمشروعية المخاوف الأمنية المشروعة لروسيا فيما يتعلق بتوسّع الناتو، كما أن الصين تشتري أيضاً النفط والغاز الروسي، لأنها تعتبر العقوبات الأمريكية أداة للسياسة الخارجية والدبلوماسية القسرية.
في قمة “بريكس” الأخيرة، دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى معارضة العقوبات الأمريكية أحادية الجانب قائلاً: “تحاول بعض الدول توسيع التحالفات العسكرية للسعي لتحقيق الأمن المطلق، وتأجيج المواجهة القائمة على التكتلات من خلال إجبار الدول الأخرى على الانحياز لأحد الجانبين، والسعي وراء الهيمنة الأحادية على حساب حقوق الآخرين ومصالحهم، وأشار شي إلى أنه “إذا سمح لمثل هذه الاتجاهات الخطيرة بالاستمرار، فسوف يشهد العالم المزيد من الاضطرابات وانعدام الأمن”.
هذا التعريف الكلاسيكي للتحدي هو عمل جيوسياسي له انعكاسات عالمية تتجاوز حرب أوكرانيا، حيث إن دعم الصين المستمر لروسيا ومعارضتها للأحادية الأمريكية هو مظهر من مظاهر النظام العالمي البديل الجديد الذي يحتاجه العالم بالتأكيد.