في ظل ارتفاع الأسعار.. “خرجية العيد” حلم بعيد المنال للأطفال الفقراء!
أيام ثقيلة على كاهل الأسر السورية ممن اعتادوا على تمرير الشهر بكثير من التقشف وقليل من الأوراق النقدية التي يصرفونها “بالقطارة” وبأقل خسائر ممكنة، ليأتي العيد بأعبائه المُرهقة أيضاً، إذ لم تستطع أغلب الأسر التجهيز له وشراء حاجيات أطفالها من لباس وحلويات تُشعرهم بحلاوة العيد، ناهيك عن عدم قدرتهم على تقديم أبسط حقوقهم في أيام العيد من “عيدية” يصرفونها على ألعابهم وشراء ما طاب لهم كما جرت العادة، ليفقد العيد حلاوته وسط تدني الأجور وضعف القدرة الشرائية رافقه ارتفاع الأسعار وتضخم طال جميع مناحي الحياة.
أعباء إضافية
ففي الوقت الذي كان فيه أطفال الأجيال الماضية ينتظرون أيام العيد للحصول على “خرجية العيد” والذهاب إلى الحدائق، نجد أن أبسط حقوقهم اليوم تلاشت، وحلّ مكانها الكثير من الحزن والحسرة وخجل الآباء أمام أبنائهم لعجزهم عن إدخال الفرح لقلوبهم الصغيرة، فلم يعد حلم معظم الأطفال اليوم الركوب في المراجيح أو شراء “الأكلات الطيبة”، بل اقتصرت أحلامهم على الخروج إلى الطرقات واللهو مع الأطفال بثيابهم العادية والقليل من المال إن وُجد، إذ باتت “خرجية” الأطفال في المدارس تشكل عبئاً كبيراً على الأسر السورية، فكيف الحال في العيد؟.
تلاحم أسري
وبالعودة إلى الماضي القريب كان حصول الأطفال على “عيديتهم” في اليوم الأول من العيد شرطاً أساسياً من الأهل والأقرباء، إذ شكلت موروثاً تقليدياً في مجتمعنا وعاملاً مهماً في زيادة الترابط والتكافل الأسري، وقد شكلت جزءاً أساسياً من الذاكرة وأخذت حيّزاً كبيراً من تفكير الأطفال الذين كانوا يتباهون فيما بينهم بحصولهم على أكبر قدر من العيدية من الأهل والأقارب. وهنا يؤكد علماء الاجتماع على ضرورة عدم إغفال أي تفصيل أساسي أو ثانوي في حياة الأطفال وعدم حرمانهم من أبسط حقوقهم التي ستشكل “عقدة نقص” مع مرور الأيام في حال عدم تلبية متطلباتهم الأساسية، وعدم الرضوخ للعادات والتقاليد في جميع المناسبات، كذلك يرى خبراء الاجتماع أن تقديم العيدية في الأعياد يزيد ويعمّق التلاحم الأسري من خلال مُضاعفة شعور الأبناء باهتمام الكبار ورعايتهم، الأمر الذي يزيد إحساسهم بالأمان وهو شيء ضروري لصحتهم النفسية.
للأثرياء فقط
وعلى الرغم من اختفاء هذا العرف الاجتماعي خلال سنوات الحرب نتيجة ضيق الحال، وعدم قدرة الأهالي على تأمين مستلزمات الحياة الأساسية، إلّا أنه لا يزال موجوداً وبشدّة عند فئة أخرى لم تتخلّ عنه بل على العكس فاقت “العيدية” المقدّمة على طبق من ذهب لأبنائهم مصروف أكثر من أسرة فقيرة في الشهر الواحد، لنجد أبناء هذه الشريحة الثريّة في المطاعم وصالات الألعاب والمولات خلال أيام العيد غير آبهين بصرف مئات الآلاف على ملذّاتهم دون أدنى شعور بالتضامن الاجتماعي!.
الشعور بالمسؤولية
الاقتصادي إسماعيل مهنا يرى أن “العيدية” أو فكرة حصول الطفل على المال وادخاره هي ذات أهمية كبيرة اقتصادياً واجتماعياً، وخاصّة من منحى زيادة شعوره بالمسؤولية وتدربّه في المستقبل على كيفية التصرف في أمواله والتخطيط السليم لصرف نقوده، إضافة إلى تعليمه الادخار حيث يمكنه ادخار نقوده لشراء بعض متطلباته. وأعرب “مهنا” عن أسفه لما آل له وضع المواطن السوري غير القادر على إدخال الفرح لقلوب أطفاله، واضطراره للخروج للعمل بأكثر من دوام لتلبية الحاجيات الأساسية لمنزله، ليصبح حلم الأطفال اليوم مقتصراً على رؤية آبائهم لساعات أطول بعيداً عن التفكير بثياب العيد والعيدية، وأشار الاقتصادي إلى ضرورة إعادة إحياء هذه العادة، ولاسيّما أننا اليوم في مرحلة إعادة إعمار يجب أن تبدأ بأطفال الجيل القادم.
مطالبون جميعاً
وسط واقع مرير تلاشت فيه أحلام الأطفال في العيد والتي كانت تتراقص في مخيلتهم، كان واجباً على جميع المعنيين بالجانب الاجتماعي الحفاظ على أحلام وحقوق الأطفال في العيد وفي أيام السنة، وتلبية أبسط حقوقهم من خلال تخصيص أماكن معيّنة توضع فيها ألعاب متحركة مجانية تفادياً لإحراج ذويهم من عدم قدرتهم على تكبّد المزيد من الخسائر المادية، فجميعنا مطالبون اليوم بإعادة الأمل لأطفالنا وإعمار جيل لا ذنب له سوى أنه جاء في سنوات الحرب!.
ميس بركات