اقتصادصحيفة البعث

مرمى التهم!

علي بلال قاسم

لطالما اشتكى التّجار من كثرة التهم عليهم بأنهم المسؤولون عن كل شاردة وواردة في السوق، وإذا كان المواطن والمسؤول يجتمعان على موقف واحد يصبّ في خانة ما ذكرناه، فإن هذه الشكوى أخذت مداها منذ استشاط قطاع الأعمال خلال المراحل السابقة، بالنق تارة والمطاحشة على جبهة المؤسّسات تارة أخرى، بحثاً عن تحرير الأسعار وفتح الأسواق على التجارة الغاربة.

اليوم تعالت أصوات البعض ممن ضاقوا ذرعاً من مساءلة الشارع، ليغدو التاجر في مرمى التهم على أنه المسؤول رقم واحد عن مصائر الأسعار وتفاصيل الوفرة والندرة ونقاط علام الاحتكار والغش والتلاعب والتدليس، وما شابه من ممارسات أول ما تضرب الحلقة الأضعف وهو المستهلك، فمثلاً مع تغيّر وتبدل الثقافة الاستهلاكية وعادات الغذاء لدى المواطن أصبح العرض والطلب على بعض المواد موجوداً في كل الفصول، ولاسيما المنتجات الزراعية الموسمية، وهذا من ثمار التجارة الخارجية التي تأتي بما ليس متوفراً في غير موسمه ولو عبر طرق التهريب وما شابه.. هو مشهد قد لا يروق لمن يحاول أن يرمي التهمة عنه محملاً المستهلك مسؤولية ما يشتريه، وهذا ما يبتدعه تجارنا الأفاضل في كل مناسبة عندما يخرجون علينا بسيناريوهات لا تنمّ إلا عن استعلاء واستكثار حبة البندورة على أصحاب الدخل المحدود في عز الشتاء، والحمضيات في الصيف، وهذا ما يتحفنا به ممثلو التّجار ليطلبوا -كما نقل عن أحدهم- أنه ليس من الضروري أن تستخدم الأمهات الفوط الصحية للأطفال، مقترحاً العودة لزمن التقليد القديم قبيل تصنيع الفوط المخصّصة لهذا الغرض.. لنترك القارئ يحكم على طروحات من هذا القبيل.

بصراحة، في ظل تعاطينا مع تصريحات التجارة، هناك تاريخ من الشدّ والجذب بين الفعاليات الاقتصادية والإعلام تحديداً، حيث لا يرى الأول في الثاني غير الغبن والتهم الجزاف -كما يصرّ أحد أعضاء غرفة التجارة على إسماع كل صحفي يلتقيه هذه النغمة- وكأنهم هم الرحمانيون والآخرون جناة، ولهذا يسارع العديد من التجار للمقاطعة و”الزعل” من الإعلام لأنه -من وجهة نظرهم- يلوم التجار ويضعهم في خانة المساءلة المجتمعية والأخلاقية في كل مناسبة.

بالعموم، دعونا نترحم على أزمان كان فيها التجار في طليعة المبادرين لفعل ما لم تستطعه مؤسسات الدولة المحاصرة والمعاقبة، في زمن يكرّر نفسه مع عدم إنكار بياض يد بعض الفعاليات ورجال الأعمال لجهة الوقوف في صف الدولة والمواطن معاً، فعند أولئك فقط يبقى رابط الكلمة هو الأوثق والأقوى في عمل مشترك قوامه بقاء الاقتصاد واقفاً والسوق متوازناً، وهذا ما يكفله أهل الكار من التّجار الأخيار.